Thursday, July 31, 2014

كُنْ صاحبَ قرارِ التغيير // محمود سهلان

 
 
 
التغييرُ سنةٌ كونيةٌ لا بُدَّ منهَا، وهذا الأمر جارٍ على كل المستويات، فكل يومٍ يمر أنا أكبُر، وكل يوم يأتي فالطقس يتغير، وهكذا تدورُ الأمور، وهذه التغييرات خارجة عن يد الإنسان وقدرته، فلا يملكُ تغييرَها، لكن تبقَى هنالك العديد من الأمورِ التي يكون التغيير فيها بيدِ الإنسان ـ طبعًا ـ مع جريان يد القدرةِ فيها، فالزوجة مثلًا أنا أختارها وتتم الزيجة بإذن الله سبحانه وتوفيقاته، وهذا أمرٌ جليٌ. إذنْ ما هي وظيفتي هنا؟
 
وظيفتي تكون باتخاذِ قراري نحو تغيير أمر ما مشحوذًا بإرادةٍ وعزمٍ حقيقيين، فقد وردَ عن إمامنا الرضا عليه السلام قوله (إنمَا هِيَ عزمة)، ومن ثم العمل على تحقيقِ التغيير المنشود، ومن ثم انتظار التوفيق الإلهي.
 
اتخاذي لقرار التغيير سيكون ناتجًا عن رغبتي أو حاجتي لذلك كفردٍ أو مؤسسةٍ، فوجود عيبٍ هنا أو نقصٍ هناك له الأثر الكبير في ذلك، حتَّى مجرد إيماني بإمكانية الارتقاء حتمًا سيدفعني نحوالتغيير، هذا في الحالاتِ السليمةِ، وإلا فالبعضُ قد يتغيرُ من الجيد إلى السيء، بل حتى من السيء إلى الأسوء بإدراكٍ، وربَّمَا دون إدراكٍ لما يفعل، وهذه مشكلةٌ بحد ذاتها تحتاجُ إلى حل، فمن الضروري أنْ تكونَ خلفياتُ اتخاذِ قرارِ التغييرصائبةً، فإنْ كانتْ غير صائبةٍ فمن المحتملِ جدًا أنْ تكونَ النتائجُ سيئةً إنْ لمْ نَقُلْ بحتميةِ سوئِهَا.
 
الحلُ هوَ في بناءِ أساسٍ فكري وعقائدي قويٌ جدًا، فإنَّ كونَ الأساس قويًا يعني تشخيصًا جيدًا للعيوب والنواقص، وتحديدُ ما نحتاج لتغييرهِ وتطويرهِ بشكلٍ عامٍ كذلك، فعندمَا ينطلقُ الإنسانُ عقائديًا من الإسلام، فإنَّ اعتقادَهُ بربوبيةِ الله ووحدانيته سيجعلُهُ عاكفًا على التقربِ إليه، كمَا سيجعله عبدًا أمامَ الله حرًا أمامَ غيره، وهكذا نستطيعُ التأكيدَ على أهميةِ الأساسِ الذي سنبني عليهِ أفكارَنَا وأفعالَنَا، وإلَّا فإنْ كانَ أساسُكَ مبنيٌ حسبَ زعم أحدِهم بأنَّه لا يوجدُ شيءٌ حرام، فكلُ شيءٍ حلالٌ حتَى السرقةَ والقتل، فإنَّ وقوفَ أحدِهِمْ في وجهِكَ يعني أنَّكَ تقتلُه، وعدم توفرِ الأموالِ يعني السرقة، وهلم جرا.
 
في الحقيقةِ.. إنَّ التغييرَ يحتاجُ إلى ظروفٍ معينةٍ، فإنَّك في الكثيرِ من الأحيانِ تحتاجُ لتهيئةِ ظروفِ التغييرِ، لا إحداث ذات التغيير بنفسِكَ، لذلكَ لا تقفْ متفرجًا قائلًا بأنَّ هذا مستحيلٌ لهذا السبب أو هذا صعب لذاك السبب، بلْ تَحرَّكْ منْ أجلِ تهيئةِ الظروفِ المناسبةِ، فقط عندمَا تكونُ مقتنعًا بمَا تريدُ، وهذا هو حالُ الكثيرين مِمَّنْ يريدونَ الوصولَ لمرتبةٍ مَا، لكنَّهُمْ يقولونَ باستحالةِ الوصول! فيضعونَ العوائقَ والعثراتِ أمامَ أنفسهِمْ، وإنْ كانتْ حقيقيةً أحيانًا، ويقفونَ ليتفرجُوا عليهَا دونَ محاولةٍ لتهيئةِ الظروفِ المناسبةِ، والتخلصِ من هذهِ العوائِقِ والعثراتِ!
 
في الختامِ أودُ أنْ أوضِحَ بأنَّ كلَّ تغيير يحتاجُ إلى جهودٍ وتضحياتٍ حسب قيمتِهِ، فشُربُ كأسِ ماءٍ لنْ يكلفَني أكثرَ منْ مائة فلسٍ أو ملأ كأسٍ بالماءِ وشربِه، لكنَّ شراءَ السيارةِ يحتاجُ لمبالغٍ كبيرةٍ، وهكذا تكونُ قيمةُ الشيءِ في حجمِ الجهدِ والتضحياتِ المبذولةِ، سواءٌ كانتْ ماديةً أو غيرها، من تضحيةٍ بالوقتِ والجهدِ المبذولِ في سبيلِ التغييرِ أو الحصولِ على شيءٍ مَا، وكمثالٍ حي نعيشُهُ، ترَى من يتعلمُ ويصلُ للمرحلةِ الثانوية ويُنهيهَا، ويقفُ عندَهَا، يكونُ حصلَ علَى نتيجةِ ما بذلَ وقدَّمَ، وأمَّا منْ يستمرُ ويدرسُ الدراساتَ العليَا، ويصبحُ طيارًا أو طبيبًا أو مهندسًا، فهوَ أيضًا حصلَ على نتيجةِ ما بذلَ من جهدٍ ووقتٍ ومالٍ، فالأخيرُ طَوَّعَ الظروفَ لمصلحتِهِ، وعملَ على تهيئةِ الظروفِ الملائمِةِ، كي يحققَ التغييرَ المطلوبَ، وكي يصلَ لأهدافِهِ التي رسمَهَا.

3 شوال 1435 هـ

2 comments:

  1. لطيف جداً.. ويمكننا أن نضع برنامجاً للتغيير يتألف من خمس نقاط، وهي: ( التأمل والتفكر) و ( العزم ) و ( مشارطة النفس ) و ( مراقبة النفس) و ( محاسبة النفس ) فإن من يريد أن يغير صفة سيئة عنده مثلاً أولاً عليه أن يتفكر فيها ويتأمل في مساوئها، لأنه إذا لم يعتقد بسوئها أو ضررها عليه فلن يحاول التخلص منها.. أما إذا تعرف على ذلك تولدت لديه العزيمة على تركها وأصبح صاحب إرادة.. فإذا تولدت عنده الإرادة وعزم على التخلي عنها شارط نفسه بأن يهجر هذه الصفة يوماً أو يومين أو أكثر والأفضل أن لا يأخذ مدة أطول منذ البداية.. فيشارط نفسه على أن يترك هذه الصفة أو هذا الأمر في هذه المدة وإن هي وفت معه كافأها بشيء تحبه وإن هي خانت ولم تف عاقبها بشيء تكرهه. ثم يبدأ ولكن بحذر بمعنى أن عليه أن يراقب نفسه حتى لا تخونه في لحظة ضعف أو سهو.. فإذا انتهت المدة حاسبها محاسبة الشريك الخائف من خيانة شريكه فإن نجحت في المهمة حمد الله وعاد من جديدة بمدة أطول. وإن هي فشلت في المهمة وبخها وعاقبها ثم يعقد العزم على أن يعيد مرة أخرى وهكذا إلى أن ينتصر عليها ويغير ما يريد تغييره

    ReplyDelete
  2. احيانا قد يدرك الانسان في لحظة ما حاول الاخرون ان يُفهموه اياه في اعوام طوال لذلك يندفع للتغيير عند تلك اللحظة بالذات ..الدافع للتغيير مهم جدا في شحذ الهمة لاحداثه ..


    جميل

    ReplyDelete