Friday, August 1, 2014

وصيتي لابنتي // أم حسين

 
 
 
كسراب هو..
 
وما الجري خلف السراب إﻻ ضياع وهلاك.

فإياكِ والجري خلفه، استمعي لرأيهم وتذكري بأن الخطأ فيه وارد، كوني صادقة مع نفسكِ، ومهما حاولوا إملاء قناعاتهم عليك استمعي دومًا لقناعتك الصادقة  فأنتِ أعلم منهم بنفسك، وأبدًا لا تجعلي رضاهم من أولوياتكِ، فرضى الناس يا ابنتي غاية لا تدرك.
 
أنظُر لها فأراها واقفة في محطة لطالما وقفت فيها ورحلت عنها مؤخرًا وبلا عودة، أحدثها ودموعها تذرف بألم يشعر به كياني كله، تمنيت لوهلة وبحسرة لو أنني أستطيع تجنيبها ألم وصم الآخرين لها بما ليس فيها، ولكنني للأسف أعلم بأنني لن أنجح، ﻻ لأن الأمر خارج نطاق إمكانياتي بل لأن الإنسان بطبعه يستمع ولكنه ﻻ يقتنع إلا بعد أن يخوض تجربته الخاصة، ويتألم ليتعلم، وإلا فالتاريخ يزخر بالمواعظ والحكم والقصص التي تجنبنا المرور بتجارب خاطئة، ونأبى أن نتعلم إلا من خلال خوض التجربة الخاطئة ذاتها. وليت تجربة واحدة تكفينا لنتغير بل نستمر بتكررها مرارًا وكأننا نعاقب أنفسنا بكسرها بعدم التفكير العميق في تلك التجارب لنستلهم منها طريقًا للتغيير.
 
ومع ذلك أوصيكِ يا ابنتي بما وصّى لقمان الحكيم ابنه عندما كان يطلب رضا الناس فقال:
 
يا بني لا تعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم، فإن ذلك لا يحصل ولو بالغ الإنسان في تحصيله بغاية قدرته.
 
فطلب الولد من أبيه مثالًا لذلك وفعلًا يراه بنفسه، فقال الأب لولده : اخرج أنا وأنت.
فخرجا ومعهما بهيمة ـ دابة ـ فركبها لقمان وترك ولده يمشي وراءه ، فاجتازوا على قوم فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة، وهو أقوى من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، وإن هذا بئس التدبير.
 
فقال لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال : نعم، فقال: اركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا.
 
فركب ولده ومشى لقمان، فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا: هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد، أمّا أبوه فإنه ما أدّب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد فإنه عقّ والده بهذه الحال ، فكلاهما أساءا في الفعال.
 
فقال لقمان لولده: سمعت؟ فقال نعم ، فقال: نركب معًا الدابة.
 
فركبا معًا فاجتازا على جماعة فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خير، يركبان معًا الدابة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق، لو كان قد ركب واحد ومشي واحد كان أصلح وأجود.
 
فقال: سمعت؟ فقال: نعم ، فقال: هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان، فاجتازا على جماعة فقالوا:
هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان، وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان.
 
فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت إليهم، واشتغل برضى الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال.
 
انتهى لقمان من حكمته ولن ينتهي التاريخ من تسجيل مواعظه المستوحاة من تجارب البشر المكررة، فمتى نعي بان نجاحنا وفلاحنا وسعادتنا في رضى الله وليس في رضى الناس.
 
31 يوليه 2014

2 comments:

  1. التجربة هي معلم الانسان الاقوى والاقسى.. فتجارب لا بد منها تُثرينا بكل مرحلة عمرية نمر بها ..تألمنا حينها لكنا نتبسم لها حين نكبر وتجارب موجعة لا نملك ان نعيدها لنصححها او لنمارس ماتعلمناه منها عليها… جميل ماخطته اناملك

    ReplyDelete
  2. صحيح أن الإنسان عادة يحب أن يجرب الأشياء بنفسه إلا أن هناك أشياء أخرى يتلقاها الإنسان من غيره دون أن يجربها بنفسه وهذا ما يفرق الإنسان عن غيره من أبناء الحيوان، فإن الحيوانات تجرب كل شيء بنفسها ولا تتلقى العلم تلقيا كالإنسان، فكل حيوان يبدأ من الصفر إلا الإنسان فله القدرة أن يتراجع في تجاربه فيبدأ من الصفر وبإمكانه أن يواصل المسيرة فيبدأ من حيث انتهى الآخرون

    وبالتجربة يمكن أن ينمي الإنسان علومه ويسمو في سماء العلم درجات.. جميل ما كتبتي

    ReplyDelete