Thursday, August 7, 2014

لذةُ الصبر // أم علي




يشاء الله أن يبتلي عباده، ويختبر إيمانهم، ومدى قدرتهم على تحمل مشقات الحياة وتكاليفها.. يشاء الله فيصيب بعض خلقه بمصائب لا قِبَل لهم بها.. بل ويبتلي البعض بتتابعها.. وكلما زادت المصيبة وكبُر أمرها كلما اشتد البلاء وعظم أجر الصبر وزادت المكافأة عليه من الله سبحانه.

إن من ينشد العيش السعيد فليس له إلا الصبر على الدنيا وما توريه من تصاريفها.. فلا يظن أحدٌ أن حياته ستكون كلها نَصَبٌ ووصب.. أو جلّها سعد ورغد.. لا بُدَّ أن تجرب المفقود حتى تشعر بقيمة الموجود.. وعند الفقد والضيق.. عند الشدة والعسر.. فإنه لا سبيل سوى الصبر.. حتى يعجل الله بالفرج من عنده.. وكلما ضاقت الدنيا على صاحبها.. فقط يتذكر الحكمة الإلهية والنصيحة الربانية المتمثلة في الآية القرآنية "إن مع العسر يسرا"..

يتذكر ذلك فترجح كفة حسناته لأنه عند انتظار الفرج واليسر بالثبات والاحتساب والصبر.. إنه حين ذلك يكون في عبادة يثاب عليها.. فإن "انتظار الفرج بالصبر عبادة"..
كثيرٌ مِنَّا يستاء حين يصاب بمصيبة من مصائب الدنيا.. من فقد خليل أو ضعف عليل أو أصيب بفاقة وليس لديه من الزاد إلا القليل.. يستاء فيرى أن مصيبته أعظم المصائب وأن بليته هي شر البلوى.. ويزداد الأمر سوءًا حين يظن البعض بأن تلك المصائب عقوبة من الله على سوء اقترفوه.. ويشرعون في لوم أنفسهم ومعاتبتها.. ليس خوفًا من الله ذاك العتاب ولا تفكيرًا في لِمَ هذا العقاب؟ وإنما فقط ليتخلصوا من المصاب.. فلا هم صبروا ولا احتسبوا ولا ارتجوا من الله فرجًا قريبًا..

الصبر ليس فقط صبرًا عند المصائب.. ليس الصبر بأن تحبس دمع عينك عند المصيبة ولسانك يلفظ بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان.. ليس الصبر بأن تقول "أنا صابر" وفعالك تخالف ما يُرَى منك..

إنما هو صبر على أذى وبأس.. وصبر لاكتساب محاسن الأخلاق واجتناب مساوئها.. صبر على مداومة فعل طاعة وصبر عن اقتراف معصية..

فكيف تحفظ لسانك عن النطق بالحرام إلا إذا صبرت عن رغبة شيطانية ملحة للكلام؟ كيف تحفظ لسانك عن قول الباطل وشهادة الزور إلا إذا صبرت على أذى قد يقع عليك حين تنطق بالحق؟ كيف تحفظ فرجك عن العلاقات المحرمة إلا إذا صبرت عن شهوتك وحبستها وكبحت جماحها؟

للصبر لذة لا يستشعرها إلا الصابرين.. للصبر مكافأة لا ينالها إلا "الذين يصبرون ابتغاء وجه ربهم".

وللصبر لزوم وضرورة حين يشتد البأس "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
 
للصبر لذة في الدنيا عند الاحتساب وانتظار الوعد الذي وعد الله "والله لا يخلف الميعاد".
والصابرون في الآخرة متمرغون في نعيم من الله سبحانه حيث قال: "وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا" وقال جل وعلا: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".

إن كنت تريد تذوق لذة الصبر.. فلا تستعجل حصول الأمر.. ولا تغضب في حال عدم حصوله أو حصوله في غير ما تتمنى، ولا تقنط من رحمة الله وأحسن الظن به تعالى وبنصره ويسره.

إن كنت تريد تذوقها فكن على يقين بأن "ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك".. وثق بأن الله سيكون معك.

فـ"إن الله مع الصابرين"..

7 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment