Friday, August 15, 2014

فلسفة الألم // إيمان الحبيشي

 
 
 
أتذكر جيدًا كيف عشتُ أشهرًا من الوجع المجهول، ليالٍ جفاني فيها نومي، أيام قلق مزعجة أتساءل فيها، لماذا أشعر بهذا الكم من الوجع؟ وكيف السبيل لاحتوائه؟

حتى ساقني الله لطبيبة ذكية بمجرد أن وصفت لها وجعي، ابتسمت بوجهي: (يبدو أن مرارتك بحاجة لاستئصال)، فكان كذلك..

وانتهت أشهر الوجع المر، بعملية استغرقتني بضع ساعات تحت مشرط الطبيب، ثم بضعة أيام على الفراش الأبيض حتى صار ذلك الوجع اليوم نسيًا منسيًا!
 
منذ ذلك اليوم وأنا أنظر لواقع الألم، نظرة فلسفية غاية في الجدية والانبهار.

لم يخلق الله الألم كمجرد ابتلاء أو معاناة، إنما هو واقعاً جرس إنذار، يحاول أن يدلنا على مواضع الخلل، لنعمد سريعًا لإصلاحها، حتى نُنقذ أنفسنا من كوارث محتملة في حال إهمال ذلك النداء، أو حتى في حالة الخطأ في تشخيصه، فضلًا عن لو فقدنا نعمة الألم!
 
أجسادنا هُيأت بالعديد من أجراس الإنذار، ولا أظن أن مجتمعاتنا تختلف عن ذلك أبدًا. الكثير من أجراس الإنذار تقرع علّنا نسمعها، فنستفيق من سبات الغفلة، وندخل في مرحلة الصدمة والاستشعار بأهمية التنبه والبدء بالعمل لمنع كارثة ما.
ارتفاع معدلات الطلاق جرس إنذار، الخيانات الزوجية جرس إنذار، العنف الاجتماعي جرس إنذار، التسقيط السياسي والديني جرس إنذار، والكثير الكثير، منها المحسوس ومنها أجراس غاية في الانخفاض، حتى لا يكاد يُسمع صوتها، والنبيه جدًا هو من يتلقفها ويحاول أن ينبّه الآخرين لإيقاعها.
 
إننا في الواقع نعيش أزمة (إنكار)، أو في أحسن الظروف أزمة (إهمال) للعديد من أجراس الانذار التي قرعت ولا زالت تقرع، دون أن نقف أمامها مباشرة لنقيس مدى فداحتها وما أسبابها وكيف السبيل لعلاجها.
 
ففي واقعة كواقعة الطلاق فإن كل ما يهم المجتمع هو لماذا فلان طلق فلانة!
لكن ماذا عن كيف نجمّد معدلات الطلاق؟ ماذا عن كيف ننشأ أسرة سعيدة يكون شبح الطلاق عنها بعيدًا؟ ماذا عن كيف من الممكن أن يحقق زوجان طلاقًا إيجابيًا يحفظ الأطفال مع وقوع الفراق؟ ماذا عن كيف نأهّل المطلق والمطلقة ليعيشا حياة سوية؟ ماذا عن كيف يستوعب المجتمع هذه الأسرة التي انفك رباطها؟ وكيف يحتضن المطلق والمطلقة وأبنائهم ليساعدهم في بناء حياة أسرية جديدة تحفظ آدميتهم وحاجتهم وتستثمر إمكاناتهم؟!!
 
وفي ذات السياق فإنه وفي حالات عديدة كانت الخيانة الزوجية سببًا قاسٍ من أسباب الطلاق! لكن كل همّ المجتمع هو أن يعرف كيف؟ ومتى؟ ومع مَن؟! ليمارس عملية الحساب والعقاب والنبذ، دون أن يفكر للحظة في أسئلة مهمة منها: لماذا الخيانات الزوجية؟! وكيف السبيل لتقوية العلاقات الزوجية ليبعد عنها شبح العار والرذيلة؟ أو كيف من الممكن أن ننشأ جيلًا سويًا يكون بعيدًا عن العلاقات المحرمة سواء أكانت تحوم حول الفرد المُحصن أو غير المُحصن؟
 
لننتقل لمأساة العنف الاجتماعي، كم حادثة شهدناها مؤخرًا لرجل عنف زوجته؟ ولأب أو أم تجمّدت الرحمة في قلوبهم ليمارسوا العنف على أجساد أبنائهم الغضة؟! وكم من لحظات غضب انتهت بمأساة أن يدهس صديقٌ صديقه؟ وكم من عاهة تسبب بها جارٌ لجاره؟!
أهل توقفنا عندها لنفرز كونها حالات فردية تحتاج لعلاج منفرد؟ أم تراها إفراز لواقع نعيشه لا يفهم إلا القوة سبيل للتحاور والتنفيس والرفض؟!
هل توقفنا عندها لنبدأ في عملية وقائية عبر ضرب سور الحلم والتبسط والتحاور حول علاقاتنا، ليبعد عنا مآسي ثقافة (فن استخدام اليد؟)!
 
إن الألم الذي تنتجه تجربة طلاق مرّة، كما الألم الذي تفرزه واقعة خيانة زوجية صادمة لعموم المجتمع، كما الألم الذي يستشعره الصغير والكبير عند الوقوف على خسارة روح في لحظة غضب.
كلها آلام لا بُدَّ أن نشعر بها لنصحح مسيرة مجتمعنا، لنختصر على الأجيال القادمة أوجاعًا جربناها وذقنا مرارة طعمها، متسببة في تعثر مسيرة مجتمعنا نحو الاستقرار والسعادة، لنضمن أن يكون لأبنائنا مجتمعًا كما كنا نتمناه لأنفسنا، محققين المسؤولية التي حمّلنا إياها الله بأن نكون خير الخلفاء على هذه الأرض. 
 
فهلا فهمنا فلسفة الألم؟!
 
14 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment