Friday, August 15, 2014

سلسلة مقالات (2): العمل التطوعي والتطوير المستمر - التوثيق // ز.كاظم



طرحت في المقال السابق لمحة بسيطة عن التطور المستمر في مجال الصناعة ومقالي هذا عن أهمية تطوير العمل التطوعي. فلنأخذ جولة سريعة حول مفهوم العمل التطوعي.
 
تعريف التَّطَوُّعُ: ما تَبَرَّعَ به الإنسان من ذات نفسه مـما لا يلزمه وغير مفروض عليه.

 وبمعنى آخر مبسّط فالتطوّع أن يقوم الإنسان بتقديم خدمة ما لفرد أو جماعة أو جهة بدون مقابل، سواء كان المقابل ماديًا أو معنويًا. ولا يخفى على أحد أهمية العمل التطوعي في المجتمع، إذ أصبح في وقتنا المعاصر من سمات المجتمع المتحضر..

في إحدى المدن الصغيرة الأمريكية التي يكثر فيها الطلبة وبعض المقيمين المسلمين يوجد مكانٌ يُسمى (الجمعية) يجتمع فيه الشيعة لقراء دعاء كميل ليالي الجمعة وإقامة الجلسات الأسبوعية (ليالي السبت) إضافة إلى المناسبات الدينية من احتفالات بمواليد المعصومين والعزاء بوفياتهم عليهم السلام. وكان القيّم على الجمعية شابًا يدرس الماجيستير، وهو شابٌ مؤمنٌ خلوق.. وقد كان يُشرف على أنشطة الجمعية ويسكن فيها ويدفع قسطًا من إيجارها، وبقية القسط يدفعه المرتادون على الجمعية دعمًا للنشاط وللشاب.. وقبيل انتهاء فترة دراسته ولعلمه بطبيعة المرتادين على الجمعية إذ كان الإيرانيون يشكّلون غالبيتهم وكذلك (كانوا منقسمين إلى فئتين: فئة لم تعد ترى في العمل الإسلامي فائدة تُرجى، وفئة أخرى على العكس تمامًا) وقليلٌ من الطلبة الخليجيين الذين إن كان المزاج إيمانيَّ الهوى حضروا، وإن كان على خلافه غابوا، وكان غيابهم أكثر من حضورهم..

كان الشاب القيّم الذي يجمع في شرايينه الدم الإيراني والخليجي على وجل من مصير الجمعية والنشاطات التي تقام فيها.. وفي أشهره الأخيرة وفد على المدينة شابٌ خليجيٌ بدا عليه الاهتمام بالأنشطة الإسلامية عمومًا وبالجمعية والجلسات الأسبوعية التي تقام فيها على وجه الخصوص.. فقام القيّم بمخاطبته وطرح عليه فكرة أن يُشرف على الأنشطة ويسكن في الجمعية لئلا يُهجر المكان ويُغلق.. وافق الشاب الجديد واستلم المسؤولية ورحل القيّم من المدينة.. بعد عدة أيام جاء إلى الشاب الجديد أحد رواد الجمعية المخضرمين وهو إيراني بدا عليه التعب واليأس من الحالة الإسلامية وأخبره أن الإيرانيين لن يواصلوا الدعم المادي للجمعية ونصحه بأن يبحث عن زميل يسكن معه في الجمعية وأن يتوقف عن الأنشطة؛ فكلٌ مشغولٌ بحياته ولقمة عيشه، ولم يعد هناك من حاجة إلى مثل هذه الأنشطة.. ابتسم الشاب في وجه المخضرم وقال له إن الجمعية ستظل مفتوحة والأنشطة ستُقام وسواء وُجد الدعم أم لو يوجد فالجمعية ستظل أبوابها مفتوحة للمرتادين عليها..

مرت ليالٍ لا يأتي إلى دعاء كميل أحدٌ، ويجلس الشاب ينتظر علّ بعض الإخوة يحضرون للجلسات الأسبوعية، ولكن لم يحضر أحد.. ولكنه استمر على فتح الجمعية في أوقاتها المعهودة.. مرت أشهر.. وقَدِم على المدينة طلبة خليجيون جدد.. وتغيّرت التركيبة إلى غالبية خليجية وأقلية إيرانية.. ولم تنتهِ السنة إلا والمكان يزدحم بالمرتادين حتى اضطروا إلى شراء مكان أوسع وأكبر.. واستمر العمل نشِطًا وفاعلًا حتى رحل الشاب وجاء بعده شابٌ آخر واصل الدرب لفترة حتى أجمع المرتادون على الجمعية أن يغيروا مكان الجمعية الى مدينة قريبة أخرى أكبر، وتم استئجار مكان جديد وشُكّلت إدارة من عدة أفراد..

اختلفت الإدارة الجديدة فيما بينها حتى ضاع العمل وضاعت الجمعية.. فأُغلقت ولا أعلم إن تم قراءة الفاتحة على روحها الطاهرة أم لا.

هذه قصة مختصرة عن الأنشطة التطوعية التي قد تبدأ صغيرة فتكبر وتزدهر ثم ما بعد الازدهار تصيبها الشيخوخة والهرم وقد تحمل على الأيدي مشيّعة إلى قبرها أو تُترك على قارعة الطريق لتموت مكدومة لوحدها.. ولا تزال نفس الأسباب التي تقتل نشاطًا هنا وعملًا تطوعيًا هناك هي نفس الأسباب وعلى رأس تلك الأسباب عدم التطوير..

تختلف الدوافع التي تدفع بالإنسان للتطوّع، فالبعض يتطوّع حبًا في العمل نفسه كمن يتطوع لنشاطٍ ثقافي يجذب المتطوّع إليه لحبه للأنشطة الثقافية، والبعض الآخر يتطوّع حبًا في العمل الخيري أيًّا كان: كأن يُشارك في كادر لخدمة الحجاج والزوار أو تنظيف مسجدٍ أو خدمة مأتمٍ، والبعض يتطوّع حبًّا في الظهور والرياء، والبعض يتطوّع لأن لديه فراغٌ في حياته يُريد أن يملأه،، .. إلخ.. وأكثر المتطوعين يجذبهم في العمل التطوعي غياب أو ضعف الإدارة، والإدارة التي أعنيها هي الأنظمة والقوانين التي تنظم العمل التطوّعي.. فالمتطوّع مثلًا يحضر في أي وقتٍ يشاء، ويشارك بما شاء، ويعمل في الغالب بما يحب ويرغب.. وأغلب أنشطتنا التطوعية تفتقد للمهنية والحرفية وفن الإدارة والتعامل مع المتطوعين وغيرهم..

ضعف التوثيق:

تتسم مجتمعاتنا بظاهرة ضعف التوثيق بصورة عامة والأنشطة التطوعية ليست استثناءًا عن هذه الظاهرة، فقد تجد أعمالًا تطوعية تبدأ وتزدهر لفترة طويلة ثم تضعف وتهرم ولا تكاد تجد قصاصةً من توثيقٍ لهذا العمل التطوعي سواء من داخل هذا العمل التطوعي أو حتى من خارجه.. ويشمل هذا الضعف في التوثيق كل الجوانب المتعلقة بالعمل التطوعي من أهداف ولوائح وأنظمة وهيكلة العمل التنظيمي والاجتماعات الدورية والمسؤوليات والكفاءات المتطلبة وغيرها من الأمور التوثيقية المتعلقة بالعمل التطوعي. وهذا التوثيق لا يقل أهمية عن العمل التطوعي نفسه وتكمن أهميته من كونه مادة حيّة تُترجِم الأفكار والأعمال إلى تراث مكتوب يستفيد منه القائمون على العمل التطوعي حاضرًا ومستقبلًا.

وللتغلب على ضعف التوثيق أطرح بعض الحلول:

1. أهمية التوثيق وسعة دائرته: من المهم جدًا أن يُدرك القائمون على العمل التطوعي أهمية التوثيق من أجل تقييم وتقويم العمل وكذلك فإن التوثيق ليس مقتصرًا فقط على وضع الأهداف للعمل التطوعي وبعض الأنظمة والقوانين، بل مع أهمية هذين التوثيقين إلا أن هناك أمورًا أخرى تحتاج إلى توثيق من قبيل: الهيكل التنظيمي للعمل، توزيع المسؤوليات، الكفاءات اللازمة لمختلف المسؤوليات في العمل التطوعي، آلية العمل التطوعي، توثيق الاجتماعات الدورية، آلية جذب وخلق الكفاءات، وغيرها من الأمور الهامة توثيقًا في العمل التطوعي.

2. مسؤولية التوثيق: لا بُدَّ من وضع مسؤولية التوثيق على بعض أعضاء الكادر القائم على العمل التطوعي وخصوصًا فيما يتعلق بالأنظمة والهيكل التنظيمي وتوثيق الاجتماعات الدورية. ويُفضل اختيار المتمكنين من التوثيق، فليس كل الأفراد قادرين على ترجمة الأفكار والمقترحات والحوارات بصياغة قيمة ومعتبرة.

3. فن التوثيق: للتوثيق فن خاص، فالشكل والأسلوب مهمّان جدًا في عملية التوثيق وهما يعتمدان على نوعية التوثيق، فمثلًا للاجتماعات الدورية أسلوب توثيقي يختلف عن أسلوب لوائح وأنظمة العمل التطوعي وهما مختلفان أيضًا عن الهيكل التنظيمي للعمل التطوعي. ويجب أن يُراعى في التوثيق الاختصار فيما يستحق الاختصار، والتوضيح والإسهاب فيما يستحق الإسهاب والتوضيح. فليست التوثيقات كلها على شاكلة واحدة.

4. تدريب الأعضاء على التوثيق وتوزيع المسؤولية بينهم على فترات معينة: وأهمية هذه الخطوة تكمن في أن ليس كل فرد قادرًا على التوثيق جيدًا فلا بُدَّ من التدريب، وكذلك فإن تدريب عدة أعضاء على هذه العملية كفيل بأن يخلق بديلًا إذا ما غاب الموثّق المسؤول في أحد الاجتماعات، أو بعد فترة معينة قد يملّ الموثّق من مهمته، فالتدريب وتدوير مسؤولية التوثيق كفيل بأن يخلق كفاءات وبدائل جديدة.


5. نموذج توثيق للاجتماعات الدورية: يُفضّل أن يكون هناك نموذج ثابت (قابل للتطوّر مستقبلًا) لتوثيق الاجتماعات الدورية. وهذا النموذج يحوي مثلًا على: التاريخ، المكان، أسماء الحضور، أسماء الغياب، المقترحات، القرارات ونتائجها وغيرها من الأمور التي تُتداول في الاجتماعات الدورية للقائمين على العمل التطوعي. وتأتي أهمية النموذج للاجتماعات الدورية لأنها مستمرة ومتكررة.

6. أرشفة التوثيقات إلكترونيًا: الأرشفة بحد ذاتها عمل جيد وحالة مهمة تكشف عن قوة التنظيم والإدارة واهتمام القائمين على العمل التطوعي بالتوثيق. وبتطوّر وسهولة استخدام التقنية والتكنولوجيا يحبّذ أرشفة التوثيق بشكل منظّم ومرتّب إلكترونيًا بحيث يسهل على المُنْظَم للعمل التطوعي أن يرجع للتوثيق بسهولة ويسر.

7. تحديد المسؤولية والمسؤول ووضع جدول زمني: من الأمور المهمة في التوثيقات المتعلقة بالاجتماعات الدورية تحديد المسؤوليات المتطلبة للقيام بالعمل التطوعي وتحديد المسؤول ووضع جدول زمني مناسب للقيام بالنشاط أو المسؤولية المحددة.

8. مراجعة التوثيقات بشكل دوري: مراجعة التوثيقات عملية مهمة جدًا للقائمين على العمل وهي بحاجة إلى فترة زمنية طويلة نسبيًا، فمثلًا إذا كان توثيقات النشاط التطوّعي أسبوعية فيحبذ مراجعة التوثيقات كل ثلاثة أو ستة أشهر من أجل عدة أمور أحدها ما تم ذكره في النقطة السابقة.

هناك أمور هامة في العمل التطوعي بحاجة للتطوير لكني ابتدأت بالتوثيق لأنه بحسب وجهة نظري من الأمور التي تحتاج إلى اهتمام ورعاية وتطوير في المجال التطوعي حتى قبل البدء بالمشروع التطوعي. في المقال القادم أتطرق إلى جانب آخر بحاجة للتطوير في العمل التطوعي إن شاء الله تعالى، فإلى اللقاء..

14 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment