Friday, August 22, 2014

سلسلة مقالات(3): العمل التطوعي والتطوير المستمر - استقطاب الطاقات // ز.كاظم

 
 
تطرّقتُ في المقال السابق للعمل التطوّعي وأهمية الاعتناء بالتوثيق وتطويره، وفي مقالي هذا أواصل الحديث عن جانب آخر يحتاج إلى التطوير المستمر ليمدّ العمل التطوّعي بالنشاط والحيوية.
 
أهمية جذب الطاقات الجديدة وتهيئتها وتدريبها...
 
في أحد المؤتمرات الإسلامية التي تُقام سنويًا في الولايات الأمريكية المتحدة جلس أحد أعضاء المنظمة المخضرمين مع شاب جديد يحدّثه عن المؤتمر وأنشطته.
 
دعني أعطي لمحة بسيطة عن هذا المؤتمر وبعدها أعرض عليك الحادثة.. يُقام هذا المؤتمر في وسط الولايات المتحدة كل عامٍ في أيام عطلة الكريسمس، يتم فيه دعوة محاضرين من الداخل والخارج من علماء دين ودكاترة وأخصائيين.. يستمر هذا المؤتمر لثلاثة أيام وأربعة ليالٍ في أحد الفنادق الراقية مع برنامج متكامل طوال اليوم يبدأ بصلاة الفجر وينتهي ليلًا بالبرنامج الليلي.. يتخلل المؤتمر الكثير من الأنشطة الثقافية المتنوعة من محاضرات وورش عمل كما وتقام فيه صلوات الجماعة إضافة إلى برامج الأطفال والشباب وبرامج ليلية ترفيهية من مسابقات ومسرح وأناشيد وغيرها.. يستقطب المؤتمر الكثير من الجاليات المسلمة من خليجيين ولبنانيين وعراقيين وايرانيين وغيرهم.. وإن أردتُ أن أشبّه الجو العام للمؤتمر بهو بمثابة حج صغير يعيش فيه الحضور خلال هذه الأيام القليلة أجواءً روحانية وثقافية واجتماعية قلّما توجد في هذه البلاد البعيدة.. ويتراوح عدد الحضور بين 700 إلى ألف شخص. وقد بدأ هذا المؤتمر السنوي منذ أكثر من ثلاثين عام.
 
هذا المؤتمر هو أحد أبرز الأنشطة التي تقوم بها المنظمة فهي إضافة لذلك تقوم بالمخيمات الصيفية وإصدار النشرات الثقافية والكثير الكثير من الأنشطة على مستوى المناطق المختلفة في أمريكا الشمالية وكندا. وكل هذه الأنشطة على اختلافها يقوم بها متطوعون أغلبهم من الطلبة المغتربين يشاركهم فيها الجاليات المسلمة المقيمة.

كان عامل الشراكة بين المخضرم والشاب الجديد هو فن الخط، فقد تعرّفا على بعض عن طريق الهاتف وقد تم تكليف الشاب الجديد بخط لوحة المؤتمر قبل سنوات وظلت العلاقة مستمرة بينهما. وفي عام 1994 حضر الشاب المؤتمر فاستثمر المخضرم وجوده أملًا في انضمامه للمنظمة للاستفادة منه كعضو دائم فيها، لكن كانت عند الشاب بعض التحفّظات على الالتحاق بهذا العمل التطوّعي إلا أن ذلك لم يثنِ المخضرم على تسخير الوقت الكافي معه أملًا في استقطابه.. كانا يتبادلان الحديث طوال الثلاثة أيام في أروقة الفندق، فقد كانت مهمة المخضرم الرئيسية استقطاب الطاقات الجديدة.. مر أحد المسؤولين عليهما -وقد حاول سابقًا استقطاب الشاب ولم يفلح- والتفت للمخضرم قائلًا: هذا عنيد جدًا لن تقدر عليه.. إلا أن المخضرم توفق في ختام الثلاثة الأيام من استقطابه.. ولا يزال هذا الشاب عضوًا نشطًا في هذه المنظمة بعد مرور عشرين سنة تقريبًا تقلّد فيها مسؤوليات مختلفة من مسؤول اللجنة الإعلامية إلى رئاسة المؤتمر.

استقطاب الطاقات وخلق الكوادر:

لعل أصعب المهام التي تواجه العمل التطوّعي هي استقطاب وخلق الكوادر والأصعب منها إبقائهم والمحافظة عليهم، والكثير من الأعمال التطوّعية خُنقت بسبب قلة الكوادر وعدم وجود برنامج تطويري تساهم في صقل كفاءاتهم ومهاراتهم. سأحاول أن أطرح بعض الأمور المهمة التي قد تفيد في استقطاب الكوادر وتطويرهم والمحافظة عليهم في النقاط التالية:

1. سيطرة فكرة: إن من أكبر العقبات في استقطاب الطاقات الجديدة للعمل التطوّعي هي سيطرة فكرة على أذهان القائمين على العمل التطوّعي والتي مفادها مَن أراد أن يتطوّع فليتطوّع ومَن لا يُريد فالباب يتسع جملًا. هذه العقلية تشكّل حاجزًا في استقطاب الطاقات الجديدة فهي ليست فقط غير قادرة على جذبها بل تساهم في الكثير من الأحيان في نفور الكوادر المتطوّعة. صحيح أن حب الانضمام للعمل التطوّعي يجب أن يكون نابعًا من نفس المتطوّع، إلا أن الكثير من الناس قد تحتاج للتشجيع والتحفيز على العمل التطوّعي بأسلوب راقٍ جذاب. على القائمين بالأعمال التطوّعية أن يعوا أن جذب الطاقات وتأهيلهم وتطويرهم لا يقل أهمية عن العمل التطوّعي نفسه. 
2. مسؤولية الاستقطاب وجذب الكوادر: تفتقر الأعمال التطوعية لمسؤولية الاستقطاب وجذب الكوادر الجديدة، بل أن أغلبها -عمليات الاستقطاب- تقوم على العمل الفردي بأساليب تفتقر لمهارة الاستقطاب مع عدم مراعاة اختلاف النفسيات والذهنيات لمَن يُراد استقطابهم نظرًا للاختلاف الطبيعي بين البشر، فهم ليسوا على مستوىً واحد بل نفسيات ومستويات وطبائع مختلفة. وهذه المسؤولية تحتاج أولًا أن تكون من ضمن التشكيلية التنظيمية للعمل التطوّعي، إذ لا بّد من تحديد متطلباتها وتكليف كادر متخصص يتقن فن التعامل واستقطاب الطاقات بأساليب مختلفة ومتنوعة. فلا يصلح أن تُترك هذه المسؤولية بدون أن تحدد معالمها ووظائفها وطريقة عملها، ولا يصلح كذلك إعطائها لمَن لا يمتلك مهارتها. 

3. فن التعامل: إن من أهم الأمور الواجب الالتفات إليها هو فن التعامل مع الآخرين لاستقطابهم للعمل التطوّعي، وفن التعامل مهارة تحتاج إلى تعلّم وتدريب وسعة صدر.



هناك دورات مهنية كثيرة تعني بفن التعامل بصورة عامة، إلا أن ما يُشكل تحديًا عند القائمين على العمل التطوّعي هو عدم وجود مقابل مادي للمتطوّع لتحفيزه، لكن هناك أمورًا كثيرة يمكن أن تُستثمر في جذب الطاقات الجديدة للعمل التطوعي أطرحها في النقطة القادمة.

4. ضرورة توضيح أثر العمل التطوعي على المُتطوّع: تُضفي الأعمال التطوّعية آثارًا كثيرة على المتطوّع فهي أولًا تخلق حس المسؤولية فيه وهذه من إحدى نِعَم العمل التطوّعي، وتكسيه أيضًا حالة من الارتياح النفسي لقيامه بخدمة المجتمع.. كذلك فإن العمل التطوّعي مهما كان صغيرًا أو كبيرًا ومهما اختلفت طبيعته، فإن المتطوّع يكتسب مهارة منه في تطوير ذاته وقدراته..


خذ على سبيل المثال التطوّع في توزيع وجبات الطعام في المأتم مثلًا فإن هذا العمل التطوّعي يكسب المتطوّع عدة أمور حسنة، منها: أهمية النظام، أهمية الوقت، فن التعامل مع الآخرين، .. إلخ. وهذه من مهمة القائمين على العمل التطوّعي في أن يُظهروا مزايا وحسنات العمل التطوّعي على المتطوّعين.

5. ضرورة تدوير المتطوّعين في الأعمال التطوّعية: آفة من آفات العمل التطوّعي أنّ من يقوم بمسؤولية ما فإنه يُستَهلك فيها حتى يحترق حرقًا، وهذه من أهم الدوافع التي تدفع بالمتطوّعين أن يتركوا العمل التطوّعي. لذلك تدوير المتطوّعين في الأعمال التطوّعية مهمٌ جدًا فهو من جهة يمنع الملل والضجر عند المتطوّع من أداء نفس المهمة لفترة طويلة، كما أنه يُكسب المتطوّع مهارات مختلفة بتدويره في أعمال تطوّعية متنوعة. 

6. أهمية وضع المتطوّع في المكان المناسب: هناك تمايز واختلاف طبيعي بين البشر، فهناك من يُتقن الإدارة، وهناك من يُتقن العمل، وهناك من له احتراف في جانب ما، فمن المهم جدًا أن يتم اختيار المتطوّع بحسب خبرته وقدراته وكفاءاته في المهمة التطوّعية المناسبة له، مع الأخذ بالاعتبار بالنقطة السابقة الذكر.

7. صقل المواهب والكفاءات: في أغلب الأحيان يتم سد الفراغ في مسؤوليات العمل التطوّعي بدون النظر إلى أهمية صقل مواهب وتطوير كفاءات المتطوّعين. وللتغلب على هذه المشكلة من المهم جدًا وضع برنامج تدريبي -نظري وعملي- للمتطوّعين لصقل مواهبهم وتطوير كفاءاتهم. وبالطبع فإن طبيعة البرنامج التدريبي تكون بحسب طبيعة العمل التطوعي، لكن هناك أمور مشتركة بين الأعمال التطوّعية من قبيل: فن التعامل، تنظيم الوقت، فن الخطاب والكتابة والتدوين، .. إلخ.

8. دورة تعريفية بالعمل التطوّعي: أحد الأساليب المهمة لجذب الطاقات الجديدة هي قيام القائمين على العمل التطوّعي بعمل دورات تعريفية بشكل دوري لطبيعة العمل التطوّعي يتم فيها طرح أهداف العمل التطوّعي، طبيعته، نبذة تعريفية عن الجهة المنظمة، نبذة عن الأعمال التطوّعية من مشاريع وبرامج،.. إلخ.

هذه الدورة التعريفية تساهم في إعطاء صورة توضيحية قد تزيل الإشكال عند بعض الذين يرغبون في الانضمام للعمل التطوّعي وتدفعهم للانضمام إليه.

استقطاب الطاقات الجديدة وتطويرها مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة لها الأثر المباشر على إمداد العمل التطوّعي بالقوة والازدهار والاستمرارية، وعليه من الضروري جدًا أن يولي القائمون على العمل التطوّعي الكثير من العناية والاهتمام بهذه المسؤولية والعمل دائمًا على رفد العمل التطوّعي بجذب وخلق الكوادر المتطوّعة وتطويرها. ولنا لقاء آخر مع جانب آخر من جوانب التطوير في العمل التطوعي، فإلى اللقاء.

22 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment