Friday, August 1, 2014

الإبداع الداخلي .. طاقةٌ تُستثمر / أوبريت سفر مثالًا // أبو مقداد






تقديم١:
(سفر) هو أوبريت إنشادي ممسرحٌ قدَّمتهُ فرقة منتظرون للإنشاد الإسلامي في السنتين المنصرمتين في شهر رمضان، ضمَّ جميع أعضاء وكوادر الفرقة، بالإضافة للتعاون مع بعض المنشدين والممثلين على مستوى البحرين، وقد لاقى الأوبريت إقبالًا كبيرًا وتفاعلًا يوصفُ بالناجح، تثبته ردود أفعال المختصين في مجالي الأنشودة والمسرح، واستمرار كثافة الحضور بين العامين، وكانت الفكرة العامةُ لـ"سفر" تتلخص في اسمِ الفرقة، حيث أن العملين المقدمين خلال السنتين كانا يبرزان فلسفة الانتظار لصاحب الأمر، وتترجم الفرقة حال الشيعة المنتظرين، وما تلاقيهم من بلايا وامتحانات، وما تحفهم من ألطاف ورحمة، واشتمل عملهم على عددٍ من الأناشيد الإسلامية الممسرحة لمنشدي الفرقة، بينهم عرض مسرحي، تتعلق كل أنشودة بما يعرض في المسرح قبلها، كما امتاز العرضان بمشاهد فنية وتقنيات في عرض الأناشيد وبعض المشاهد.
 
تقديم٢:
في الوطن، نمتلك من الطاقات الشابة ما لا يُحصى وفي شتى المجالات، وبإمكان هذه الطاقات أن تُبدع كلٌّ من موقعها وفي مجالها، ليس بالضرورة أن ينشغل ويعمل الجميع ويصب جهده في مجالٍ معينٍ كالسياسة مثلًا، خصوصًا أنها المجال الرائد في الآونة الأخيرة والأكثر خطورة، بل بإمكان كل فردٍ وكل جماعة أن تعملَ من زاويتها الخاصة وبمنطلقاتها وتؤدي أكبر من الغرض السياسي، ومن حيث أنه لا بُدَّ للسياسي والمنشد والشاعر ورجل الدين والرسام والتاجر والطبيب والمعلم وووو أن يكونَ همه الأول هو خدمةُ هذا المجتمع الإسلامي الشيعي، والمحافظة على مبادئه وقيمه ومواريثه الحقة وتقويته، فكان لا بُدَّ على صاحب كل طاقة وموهبةٍ أن يكرِّس موهبته وطاقته لخدمة هذا المجتمع وبأتقن الطرق وأسلمها.
 
سفر، تجربةٌ تُثمِر:
انطلقت فكرة أوبريت سفر الإنشادي الممسرح، في العام الماضي ٢٠١٣ بقيادة فرقة منتظرون الإنشادية، فقدَّمت في العام الماضي عملًا مميزًا، ضمَّ أفكارًا ومشاهدَ رائعة جدًا، تم من خلالها إيصال رسالة مهمة مفادها أنَّ بإمكانِ كل منتظرٍ للإمام المُخَلِّص أن يحوِّلَ انتظارهُ لانتظارٍ إيجابي، فلا يكتفي العالم بعلمه، ولا التاجر بتجارته، ولا العابد بعبادته، إلا أن يسخّر نفسه وما يصنع لانتظار صاحب الأمر، وتحويل أمل لقائه، لعمل يُنتَظَرُ به، واستمرَّت الفكرة لهذا العام، الذي تم في عرض العمل رغمَ الصعوبات التي واجهتهم، مثل اعتقال مؤلف ومخرج العمل وأحد منشدي الفرقة الرئيسيين قبل بدء الإعداد له، واعتقال أحد الممثلين الرئيسيين في الأوبريت قبل عرضه بإسبوع أو أكثر بقليل تقريبًا، والنقص المادي حيث كلف العمل حوالي 14 ألف دينارٍ، وتخلُّف أحد العاملين المهمين في الأوبريت عن مهمته في وقتٍ حرجٍ جدًا، إلا أن الأوبريت كُتبَ له النجاح، فقد قدمت الفرقة باقة من الأناشيد المميزة والجميلة الهادفة، وبعض المشاهد الراقية والمؤثرة والفنية، وأذكرُ منها ثلاث مشاهدٍ، الأولُ كان مشهد عذابات المنتَظِرين وما يلاقونه من صنوف عذابٍ وظلمٍ واضطهاد، جراء حبهم وولائهم لصاحب الأمر وأهل البيت عمومًا، ومشهدٌ آخر قد يكون أروع مشاهد الأوبريت، وهو مشهد حبائل الشيطان وتمكنه من اختراق نفس الإنسان والعبث في إيمانه، والمشهدُ الأخير هو تجسيد قيام المؤمنين من قبورهم لنصرةِ الإمام، وارتكز الأوبريت على إيضاح ملامح الاشتياق والحاجة للإمام، ولم يخلُ من الانتقاد حيث أنه افتقد الحالة العملية والإيجابية أكثر في فكرة العمل، إلا أنهم نفذوا الفكرة بإتقانٍ كبير ورائع ومدهش ما خلا بعض الأخطاء الفنية التي نتمنى تفاديها في الأعمال اللاحقة.
 
نعم .. نستطيع:

إطلاق مثل هذه الأعمال وبشكلٍ مستقل هو رسالةٌ لنا جميعًا، بأننا شعبٌ قادرٌ على الإنتاج، ويجب أن لا نقبل بمجرد الكلام والانتقاد، ما صُنع في هذا الأوبريت هي فكرة وُلِدت فكُتِبت، فحملتها إرادة هؤلاء الشباب، فنفذوها لتنجح، والأوبريت مثالٌ حيٌ وواقعيٌ لتجربةٍ ناجحة، لا بُدَّ أن نفهم منها أننا وعلى جميع الأصعدةٍ قادرون على الإنتاج الثقافي بشتى مجالاته، الأمر لا يتعلق بالإنشادِ والمسرح فحسب، بل في كل مجال من مجالات المجتمع، ما نحتاجهُ هو فقط أن نؤمن بقدراتنا، ونعرف أين نوظفُ هذه المواهب والإمكانيات، فنبدأ العمل، تمامًا كما حدث هنا، لا أن نعتمد على من يتبنى أفكارنا ومشاريعنا، بل نعمل نحن على التأسيس لها وممارستها.
 
من المؤسف أن الحالة الثقافية في المجتمع المتدين المسلم، تتعرض للتشويه والحرب الباردة، فيتم استهدافنا في عقائدنا ومبادئنا وأفكارنا وثوابتنا، بطريقة ذكية نكاد لا نشعر بها ونستسلم لها في بعض الأحيان، لذلك لا بُدَّ لنا أن نعي وننتبه لما يصنع الآخرون في تشويه ثقافتنا، وأن نبدأ منذ اللحظة في التخطيط والعمل لممارسة النشاط الحقيقي في خدمة المجتمع، في شتى المجالات، فكما أنتِج "سفر" بجهود عدد قليل من المؤمنين، بإمكان كل واحدٍ منا أن يصنع سفرًا له في قلبه، ويبدأُ بتنفيذه، كي نكون طائفةّ منتجة لا نعتمد على إنتاج الآخرين، لنستهلك الغث والسمين منهم!
 
إننا نملك بينَ أفراد المجتمعِ طاقاتٍ هائلة، في كلِّ المجالات التي نحتاجها لنصنع مجتمعًا شيعيًا ملتزمًا بشكلٍ تام، نحتاجُ فقط لأن نستثمرَ أنفسنا وهذه الطاقات في خدمة المجتمع، وتقويمه، والنهوض به، لا نستصغر قدراتنا، فـ" سفر" والعديد من المشاريع التي نجحت، دليل على أننا قادرون، نعم نحن نستطيع!
 
1 أغسطس 2014

1 comment:

  1. وُفقت لحضور اوبريت سفر كما وفق الكاتب لذلك
    ابداع منقطع النظير
    توظيف رائع لامكانات محلية للحديث عن فكرة وعقيدة راقية بحجم (عقيدتنا بالامام المنتظر عج) نحتاج بل من الواجب علينا ان. نشد على ايدي المبدعين بكل المجالات لاستثمارها في بناء مجتمعنا المنهك ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ..الف تحية لهم ولك

    ReplyDelete