Friday, August 8, 2014

ليست طائفية ،، كذلك ليست تسامحًا دينيًا! // أبو مقداد



شهدَ التاريخ الشيعي وعلى مرِّ الزمن، أن العديد من رجال الدين الشيعةِ هم من قادوا حملات التقريب الديني والتسامح المذهبي والوحدة الإسلامية، ومواقفهم في هذا المجالِ كانت بارزة وواضحة وقوية، حتى مع تعرّض بعضهم لحملاتٍ مضادة تشكك في نواياهم أو ثمار مشروعهم الوحدوي هذا، إلا أنهم كانوا أبرز حملة هذه المشاريع، وحيث أن الجسد الشيعي، فكرٌ ومنهجٌ ورسالة، فهو جسدٌ يُحطِّمُ حدود الإقليم، ولا يعترفُ بما تفرضه خارطات الطرق، ولا توقفهُ جماركٌ وحدودٌ دولية للتفتيش.
الفكر الممتد في كل بقاع الكون، وكل شيعيّ في الأرضِ هو عضوٌ مهمٌ من أعضاءِ الجسد هذا، لذلك فإن سلوكَ الشيعي في لبنان ينعكسُ على الشيعي في البحرين، وينعكس على الشيعي في العراق والسعودية وسوريا وإيران وأمريكا  والصين وكل بقعة، بعيدًا عن آثارِ القومية، لذلك وبغض النظر عن الإنتماءات، فإن قوة إيران الدولة الشيعية الوحيدة، تنعكس على قوة كل شيعي في الكرة الأرضية، مما يعني أن الإهتمام بي كفردٍ شيعي، وبطائفتي كطائفةٍ شيعية، وبمجتمعي كمجتمعٍ شيعي، هو اهتمامٌ بمبادئ وأفكار ونظام وقوة كيان هذه الطائفة في كل مكان، وربما كل زمانٍ أيضًا، والإهتمام هذا لا يتناقضُ بأي شكلٍ من الأشكال مع فكرة التسامح الديني، والوحدة الإسلامية، ولا يمكن وصفه بأنه سلوكٌ طائفي أبدًا لأنهُ يهتمُّ بالجسد الداخلي للمكون الشيعي، ولا يتعرض لأي مكونٍ آخر بإساءة أو ضرر، وهذا الإهتمام في أصلهِ لا علاقةَ له بأي فكر وحزب وتيار ومذهب ودين ومكونٍ آخر.

التقريب بين المذاهب تعبير حديث، بدأ استعماله منذ أربعينيات القرن الماضي، والمقصود من التقريب، توحيد الأمة حول الأصول الكلية والثوابت الراسخة المستمدة من القرآن الكريم وتعاليم السنة النبوية، وهو ما أكدت عليه أدبيات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية التي نصت على أن التقريب بين المذاهب الإسلامية لا يعني انصهار كل المذاهب أو ذوبانها في مذهب واحد، بل هو خطوة لجمع المسلمين وإشاعة روح التفاهم والتعارف فيما بينهم والتقائهم، ومن الناحية المنهجية العملية يقصد بالتقريب : العمل على تشخيص المسائل والمشتركات الفكرية بين سائر المذاهب، وفحص القضايا التي لا خلاف فيها في مجال العقيدة والفقه، والسعي لإيجاد أرضية مشتركة للعمل، اعتمادا على الأدلة القطعية والبرهان الصحيح المستنبط من مصادر التشريع الإسلامي الصحيح، لنبذ الفرقة بين أتباع المذاهب الإسلامية، والتجرد عن التعصب، وإقصاء الطائفية الضيقة بهدف التقريب بين تلك المذاهب، وتقوية مفهوم الأخوة الإسلامية الجامعة بعد أن عبثت بها نوازع الفرقة .

حيث أن التقريب لا يعني انصهار جميع المذاهب في مذهبٍ واحد، فهذا يفرض التزام كل مذهبٍ بخصائصه، وفي نفس الوقت يفرضُ احترامَ كل طرفٍ لباقي الأطراف، الاحترام هذا يصبُّ في تقبل ممارسة الجميع لهذه الحرية الدينية بشرط عدم الإساءة للمكونات الدينية الأخرى، وتجنب استفزاز أي مذهب، حتى أنهُ في أغلب منابر الشيعة يتجنب ذكر الشخص الذي اعتدى على سيدتنا الأولى فاطمةُ الزهراء عليها السلام، من أجلِ الحفاظ على مساحة الإحترام هذه، هذهِ حدود التقريب التي نتحدثُ عنها ونعملُ عليها، ولا يعني الإحترامُ هنا أن نضطر لتمجيد أو الدعاء أو الترضي على من نرفضهم وجودًا وفكرًا من رموز وأعلام الطوائفِ الأخرى، فقد شهدنا في الآونة الأخيرة في البحرين تكرار الإعتداءات والاستهزاء بعقائدنا الشيعية، خصوصا قضية صاحب الزمان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجهُ الشريف، مما أنتجَ خروجَ أحد رموز النضال الوطني والحقوقي، بنشر مقولة نُسبت لأحد أعلام الطائفة السنية، والترضي عليه، من أجل اثبات مساحة الحريات الدينية واحترامها، مما سبب ويسبب اتسفزازا صريحًا لأبناء طائفته هو، الأمر الذي قد يُثبتُ احترامه للطائفة الأخرى، إلا أنه بشكلِ تلقائي، تسبب في استفزاز مشاعر طائفته، فالتسامح الديني، واحترام الحق في الدين والتعبير عنه، لا علاقةَ لهُ بتمجيدِ الجميع، ولا أتكلم هنا من نَفسٍ طائفي، ولا أدعو لمحاربتهم، ولا لشتيمتهم، ولكن شتَّان بين احترام الآخر وبينَ تمجيده أو الترضي عليه، فعدم الترضي عليه، ورفض الترضي عليه، ليست طائفيةً، والترضي عليه هذا، لن يكون تسامحًا دينيا أبدًا.

بالمناسبة..
يعتقد الكثير من أهل السنة بخلافة يزيد بن معاوية الإسلامية، ويسلّم له بولاية أمر المسلمين، يزيدُ ذاته قاتل إمامنا الحسين عليه السلام، وشارب الخمر وملاعب النساء والقردة، لكنهم يعتقدون بهِ، وأتمنى أن لا يضطر البعض باسم حقوق الإنسان، والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والحرية الدينية، أن يترضى على يزيدٍ أيضًا!! 

بالحديث عن ثقافة الطائفة الشيعية في قضية التسامح الديني، فالتاريخ يثبت أن مبدءًا كبيرًا فيها ليس اجتناب الحرب الطائفية، انما هي من ثوابت المذهب، لذلك فلو بحثنا في تاريخ مؤسس المذهب الإمام الصادق فسنلاحظ أنه كان فيه قمة التسامح مع أئمة المذاهب الأخرى كالحنبلي وأبي حنيفه، واكثر بل أنه كان يدرسهم ويعلمهم علومَ الدين، كما أنه كان يحث الجميع على كتابة أفكاره وعلومه، وإن كان يخالفه، فالتسامح هذا هو من أساسات المذهب، كما أن أكبر فقهاء ومراجع المذهب يفتون بقبول الصلاة بالحرم المكي والتي تخالف صلاة المذهب الشيعي في أركانها، بالإضافة لكون الإنشغال بالمناوشات والاحتراب الطائفي، لن يضيف لنا سوى توهين الدين والمذهب، وفي ذات الوقت الذي ندافع فيه وبشدة عن التسامح الديني بين الطوائف والأديان لا نسمح لأنفسنا بأن نتخلى عن ثوابتنا كطائفة، وحين نرفض التخلي عن هذه الثوابت، فلا يصح أن نُوصَفَ بالطائفيين، ولا يعني ذلك انا تخلينا عن تسامحنا الديني.

No comments:

Post a Comment