Friday, August 29, 2014

إيجابياتٌ (تُفَتُّ) وسلبيات (تُهَرَّمُ) // ايمان الحبيشي



كنتُ ممن انتشى وافتخر، بأهالي جزيرة سترة، اللذين فتحوا قلوبهم ودورهم، ليتمكن الآسيويون من تأديةِ صلاة الجمعة، بعد أنْ امتلأ مسجدهم. *

وكعادتي عبَّرت عن ذلك الشعور، ليسَ لأنه غريب على أهل هذه الأرض أن يكرموا الانسان ويحترموه، أيًّا كان لونه وعرقه ودينه، لكنْ لأننا صرنا نعيش زمانا يفترس المحبة، ويغتال الاحترام، وينقضّ على انسانية الانسان، لذلك فاللفتة كانت لافتة. 

لكن ما هالني جدًّا، هو انقضاض البعض على مجرد الاشادة بذلك الموقف، لقد كانوا يمتلكون قدرةً عجيبةً على تحجيم ذلك الحدث، وانتزاع كل معنى ايجابي تركته بأنفسنا، لتحوِّله لمجموعةِ مخاوف وهواجس، بل لتحفِّز شعورا بالحقد على جالية حرمتنا حقنا في أن نكون زبَّالين، وسقَّائين، وزرَّاعا، وصيادين!

وعجبي .. من استورد تلك العمالة وعلّمها حرفنا، ومكَّنها أسواقنا؟!

بعيدا عن هذه الجدلية التي لا أود أن أخوضها، أتساءل لماذا نُصِّر على تحجيم المواقف الإيجابية؟ بينما نقف عند أصغر موقف سلبي دهرا!!
لا نُشْيع إلا النماذجَ السلبية، ولا نستذكر إلا الوقائع المؤلمة! 

أتذكر أنني جادلت أحدهم، وزعمت أنَّ هذا الموقف لو كان موقفا سلبيا صدر من أحدهم، لتحولت الأقلام لساعات وأيام لتحليله ولما تحررَّنا منه بحجَّة الانتقاد، وصدقا لم أتمَّ حديثي حتى ماجت مواقع التواصل الاجتماعي على وقع فيديو يُصوِّر حادثة جدل دارت بين رجل وامرأة في الشارع! 

وعلى ذلك فلنقس ..

مثلا .. كم عددُ زوجات الأب اللاتي احتضن أبناء أزواجهنَّ فكنَّ لهم أمهات بعد فقدهم للأمهات؟ وكم عدد أزواج الأم الذين أحسنوا لأبناء زوجاتهم وساهموا بمدَّ المجتمع بكفاءات أصحَّاء؟ الكثيرُ من القصص التي تحمل كل معاني الحب بين زوجة أبّ وأبناء ربتهم مُغيَّبة عنّا تماما، وحين تُحكَّى بيننا فتُحكى همسا، بينما نسمع الضجيج عاليا جدًا حول زوجة أبّ قاسية دنيئَّة، أساءَّت لعلاقة الأبناء بأبيهم، حتى صار وصّم زوجة الأب ب(السيَّئة) تهمة أوليَّة ملاصِّقة لها، حتى تثبت براءَتها، هذا إن ثبتتْ رغم كل شئ، واسحبّوا ذلك على زوج الأمّ. 

كم عددّ الأبناء الذين برّوا والديهم، بغضِّ النظر عن مدى برِّ أولئِّك الوالدين بهم أثناء تنشِّأتهم؟ مقابل أولئِّك الذين قذفوا بوالديهم خارج حياتهم إرضاءا لزوجة!

كم عدد الرجال المُتزنين المبدعين المؤمنين الذين خرجوا من كنفِّ أسرة رأس بيتها رجل سئ الذِّكر، مُسئ لأسرته ومجتمعه، لكنّنا نصِّر على عَزله عن فئة (من ترضون دينه وخُلقه) لأنه يَحمل وزر والده مابقي على هذه الدنيا؟ 

الكثير من القوالب التي تضم بعض الفئَّات الاجتماعية، ليست سوى قوالب مجحفة تبعد عن الواقع، بقدر ما تصَّوره بشكل نظنُّه دقِّيق، لا زلنا نجد أنَّ الرجل الذي تزوَّج امرأتين مثلاً (راعي نسوان)، ولا زلنا نجِّد أنَّ المرأة التي تزوجت رجلاً متزوجاً (سارقَّة رجال)، ولا زلنا نجِّد أن المرأة المطلّقة (مَعيبة)، وأنَّ المرأة الأرملة (منتهية الصَّلاحية)، وأنَّ المرأة التي تأخَّرت في الزواج مجرَّد (عانس معقَّدة)!! 

إذن أين نماذِّج العدل في زيجاتٍ متعدِّدة؟ أين نماذِّج الزوجةِ الصالحة في زوجات الزيجة الثانية؟ أين نماذِّج المطلقات العفيفات؟ أين نماذِّج الأرملات المؤهّلات لإستئّناف حياة اجتماعية؟ أين نماذج النساء الناجحات المتزنَّات المُحسنات اللاتي شاءَّت أقدارهنَّ أن يكنَّ عازبَّات؟! أين نماذج الشباب الذين تربّوا في كنف رجال مُسِّيئين لينتفضوا على سوء مربيهم بحسن خلقهم وبتمسّكهم بدينهم؟ أين نماذج الآباء المضحِّين الذين حصدوا أبناء بارِّين؟ 

هي نماذج موجودة بيننا، لكنها تحتاج لمجهَّر اجتماعي، لا ليبرزها فحسب، بل ليعلِّم الناس فنَّ الإحسان، وجمال اقتناص الإيجابيات، وروعة الإمكانات البشرية في مجال العدل والاحترام والحب والثقة، نحتاج لشئ من التغاضي، ونحتاج لفنِّ تحوِّيل السلب لإيجاب، عبر اعتباره درسَّا على الجميع تعلُّم فنَّ اجتنابِّه، فنِّ اجتناب الظلم، فنِّ اجتناب القسّوة، فنِّ اجتناب سوء الظَّن، فنِّ اجتناب إطّلاق الأحكَّام المسَّبقة، فنِّ الاحتفاظ بالأروَّاح الايجابِّية والمحافظة عليها من روح المجتمع السلبية.

لسنا مجتمعًا فاضِّلا، ولنْ نكونَ مجتمَّعا كاملا قط، لنحاول فحسب أن نكون مجتمعا متكاملا متعلِّما يُجيد استثّمار الخبرات، محتضِّنا لكل الكفاءات!

30 أغسطس 2014

-----------------------------------------------------------------------
* http://www.alwasatnews.com/ipad/news-914089.html

No comments:

Post a Comment