Friday, August 15, 2014

الدَّليل شرط الاعتقاد // محمود سهلان





يولدُ الإنسانُ ويأتي لهذه الدنيا ليواجه عالَمًا متنوعًا، يختلفُ أهله فيما بينهم في معتقداتهم، ويصلُ الاختلاف بينهم حدَّ التناقض، فهذا يقرُ بوحدانية الله، وذاك لا يعترف بوجود إله، وآخر يعتقد بتعدد الآلهة، وهكذا.
 
والمعتاد أنَّ الإنسان يتبع ما يرثهُ من أبويهِ والمجتمع المحيط به، ولكن ذلك عادةً لا يكون عن قناعةٍ ودليلٍ، بل هو محضُ تقليد، ولغيرِ المعصوم!
 
الآن نطرحُ سؤالًا: إذا كنا نريد راحةَ البال، والاطمئنان على مستقبلنا، فهلْ نسلم رقابنا لأي أحد؟
 
يقولُ بعضُ علماءِ الكلام (العقائد) بأن معرفةَ أصول ِالدين واجبةٌ عن دليلٍ لا عن تقليدٍ؛ أي أنَّ المكلفَ عليه أن ينظرَ (يفكر) ويتدبرَ ويتأملَ، ويبحثَ عن الدليل، حتى يطمئن لما وصل إليه، وحتى يقوى إيمانهُ بهذه العقائد، فإن الإنسانَ لو تركَ وفطرته لقادهُ عقله إلى الله سبحانه وتعالى.
 
ولنثبتَ أن المعرفة يجب أن تكون عن دليلٍ لا عن تقليد، نطرحُ هذا الدليل بين أيديكم:
هناك اختلافُ آراءٍ بين الناس، فالإنسان حينها إما أنْ يأخذَ بكل الآراء ويلزمُ من ذلك الجمعُ بين المتنافيات، وهذا محال، وإما أنْ يرجحَ بعض الآراء على البعض الآخر، فإما أن يكون الترجيحُ لوجود مرجح وهو الدليل (وهو المطلوب)، وإما لا، فيكون الترجيح بلا مرجح وهو محال.
 
طرحتُ هذا الدليلَ باختصارٍ حتى يتضحَ لكَ سبب وجوب المعرفةِ عن دليل، فلستُ أريدُ هنا أنْ أقفَ عند هذا الحد، بل أردتُ أنْ أحركَ وأثيرَ عقلَ القارئ الكريم.
 
أيها العزيز أجبني: ألا تريدُ أنْ تحققَ سعادتكَ الأبدية؟ ألا تريد أن تطمئن على مستقبلك؟ هل هذا الأمر المصيري يصحُ التهاون فيه والاعتمادَ على الغيرِ؟
 
لا أظنُ أنَّ هناك أحدٌ يريدُ التعاسةَ والعذاب، ولا يريد السعادة والثواب، ولكن الأفعالَ تعطي انطباعًا آخرًا، فالذين وجدناهم يبحثونَ هذه الأمور، للوصولِ إلى الحقيقةِ قلة، فالأغلبُ باقٍ على ما وجد عليه أبويه ومجتمعه، دونَ أنْ يكلفَ نفسهُ عناء البحثِ والتدبرِ والتأملِ، ليذهبَ من هذهِ الدنيا دون أنْ ينظرَ في عقائده، وهيَ لمصيبة كبرى لكلِ من يغفلُ عن ذلك، فإنَّ الأعمالَ لا تقبلُ من العبدِ إلا إذا كانَ معتقده سليمًا، وقد قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وقيل أنَّ الكلمَ الطيبَ هيَ العقائدُ السليمة، فهي التي تصعدُ إلى الله جل وعلا دون غيرها، فحري بنا إذنْ أنْ نبحثَ وننظر جيدًا، حتى نصلَ للعقائدِ السليمة ونبرهن عليها، ولنقتنعَ بها ونثبتَ عليها، وبالتالي تطمئنُ قلوبنا وأنفسنا.
 
في الختام أشيرُ لكثرةِ ما وردَ في المنقول عن عظمةِ العقلِ ودورهِ، وضرورةِ التدبر والتأمل، كما أدعوكَ لأنُ لا تعيشَ حالةَ التقليدِ الخاوي هذه، بلْ لا بدَّ لكَ منَ البرهنةِ على معتقداتك، لتعيشَ الاطمئنان المنشود وتطردَ كلَّ خوف ٍ واضطراب، ولكي لا ينطبقَ عليك الذم الوارد في عدة مواضع من آياتِ القرآنِ الكريم.
 
أرجو أنني قدْ وفقتُ لإثارةِ هذا الموضوع ولو نسبيًا، لما يحمله من أهمية، ولبعدِ الكثيرِ من المتصدين للساحةِ العلميةِ عمومًا، والكلاميةِ (العقائدية) خصوصًا، عن أداءِ دورهم، اضطررتُ للتطفلِ على ساحتهم عسى أنْ نسدَ شيئًا من هذا الفراغ، فإنَّ ما يتعلقُ بهِ المصيرُ لا ينبغي أنْ يتركَ دونَ رعايةٍ وانتباهٍ ومسؤولية.
 
 
١٨ شوال ١٤٣٥

No comments:

Post a Comment