Saturday, August 30, 2014

سلسلة مقالات (4): العمل التطوعي والتطوير المستمر - التدريب // ز.كاظم

تناولت في المقالات السابقة العمل التطوعي وضرورة التطوير المستمر وطرحت جانبين مهمين وهما التوثيق واستقطاب الطاقات والمحافظة عليهم وفي مقالي هذا أتطرق الى جانب آخر مهم.
أهمية التدريب في رفع مستوى الكفاءة عند المتطوعين...

تولي الكثير من المؤسسات والشركات الرسمية وغير الرسمية أهمية كبيرة لتدريب موظفيها ورفع مستوى الكفاءة لديهم لتأدية مهامهم ووظائفهم، لما للتدريب من أهمية بالغة في دعم المؤسسة على القيام بوظائفها لتحقيق أهدافها المختلفة.. بل أن بعض الشركات تقوم بتوفير دورات تدريبية للمستهلكين والزبائن والموردين لها..

قبل عدة سنوات حضرت دورة تديبية عن التطوير المستمر لأحدى الشركات التي نبيعها بعض منتجاتنا متكلفة كل المصاريف لي ولزميل آخر طوال فترة التدريب وهي أسبوع كامل.. وعند مشاركتنا في الدورة وجدنا ممولين وموردين وزبائن آخرين قد تم دعوتهم للمشاركة في هذه الدورة التدريبية.. وفي آخر يوم من الدورة التدريبية قام أحد الموردين بنقل تجربة شركته في مجال التطوير المستمر والتي خضعت لها في العام الماضي مع شرح موجز للأرباح التي حققتها شركته خلال عام واحد من تطبيق أدوات التطوير المستمر.. وفي موقف آخر ذكر نائب رئيس الشركة المتبرعة بالتدريب أن شركتهم كانت على وشك الإفلاس قبل عدة سنوات مما اضطر مجلس إدارة الشركة لتوظيف طاقم جديد يمتهن التطوير المستمر وقد استطاع هذا الفريق في قلب المعادلة خلال سنوات قليلة جدًا فتحولت الشركة من حافة الإفلاس إلى الربح والتوسع والإنتاج.. وكانت إحدى دعامات هذا التغيير هو تدريب موظفيها ومموليها وزبائنها على التطوير المستمر وأدواته المتنوعة والإهتمام الفائق بتدريب موظفيها وغيرهم..

طبعًا رأيت أيضًا شركات أخرى تعاني كثيرًا في مستوى الجودة والإنتاجية والأرباح نظرًا لعدم قدرتها او إهمالها لجانب التدريب أو لضعف برامجها التدريبية.. وإذا ما نظرنا إلى الأعمال التطوعية، فبعضها يعاني من ضعف التدريب بل ربما أقصى تدريب يخضع له المتطوّع هو أن يوضع في مكان ويحمل مسؤولية ما، بدون خضوعه لأي برنامج تدريبي نظري أو عملي.. 


 سأتطرق إلى أحد المواقف التي أتذكر حدوثها في المؤتمر الإسلامي الذي أعطيت نبذه عنه في مقالي السابق.. 

نادى المسؤول عن قاعة الصلاة نائب رئيس المؤتمر عبر جهاز اللاسلكي طالبًا مساعدته في توفير أفراد متطوّعين لتحضير قاعة الصلاة، وقد كان المسؤول مرتبكًا ومتحيرًا إذ لم يبق على وقت الصلاة إلا دقائق معدودة..
يعتمد هذا المؤتمر اعتمادًا كبيرًا على المتطوّعين، بعضهم أعضاءًا في هذا المنظمة التي تقوم بهذا العمل والأكثر يتم استقطابهم أيام المؤتمر.. ومن هؤلاء المتطوّعين صاحبنا مسؤول قاعة الصلاة، ومسؤولية قاعة الصلاة هي بالعادة تنظيف وترتيب القاعة وتهيئتها للمصلين، إلا أنه في تلك السنة ونظرًا لعدم وفرة القاعات تم استخدام قاعة المحاضرات للصلاة، مما يعني أن يتم قلب قاعة المحاضرات سريعًا لقاعة الصلاة -والعكس- مما يستدعي رفع الكراسي ووضع الشراشف وسجادات الصلاة والترب على الأرض وغيرها من المسؤوليات. وكون مسؤولية نائب الرئيس هي الإشراف على جميع الأنشطة التي تقام في المؤتمر فإنه يتم الاستعانة به طوال الوقت. ذهب نائب الرئيس إلى مسؤول القاعة ووجده واقفًا متحيّرًا يشتكي من عدم وجود أحدٍ لمساعدته.. نظر النائب سريعًا في داخل القاعة وخارجها، ثم نظر إلى وجه المسؤول وقال له: أنظر وتعلّم.. كانت هناك مجموعة من العراقيين في زاوية يتحدثون، ومجموعة أخرى من الخليجيين في زاوية أخرى، وغيرهم مجموعات صغيرة هنا وهناك.. ذهب النائب إلى المجموعة الأولى وسلّم عليهم بابتسامة جميلة وخاطبهم بلهجتهم "تريدون تخدمون لحسين؟"، أجابوا بسرعة: نعم.. قال لهم نحتاج مساعدتكم في طي الكراسي وتحويل قاعة المحاضرات للصلاة، ولا يوجد متسع من الوقت.. رحبّوا بالعمل وسريعًا انطلقوا في طي الكراسي ووضع سجادات الصلاة.. وبادر النائب إلى المجموعات الأخرى وخاطب كل منها بلسانها، وفي لحظات تم تحويل قاعة المحاضرات لقاعة الصلاة.. التفت النائب لمسؤول قاعة الصلاة ووجه له بعض النصائح مع المثال التطبيقي في استقطاب وجذب الآخرين للعمل التطوّعي السريع منبهًا له أنه من إحدى مسؤولياته هو توفير طاقم العمل لتأدية مسؤوليته..
إذا نظرنا إلى هذه التجربة فإنه من الملاحظ أن مسؤول قاعة الصلاة لم يعرف مسؤولياته جيدًا ولم يخضع للتدريب المناسب للقيام بمسؤوليته.. من هنا أطرح بعض النقاط المهمة التي قد تساهم في تطوير جانب التدريب للعمل التطوعي:


1. البرنامج: وضع برنامج تدريبي -نظري وعملي- واضح ويناسب طبيعة العمل التطوعي.. ويجب أن يكون التدريب النظري مدعمًا ببعض التجارب والمواقف ليثري ذهن المتطوع. هذا البرنامج يجب أن يكون مفصّلًا ومركزًا على طبيعة العمل التطوعي كما يفضّل أن يكون التدريب  تدريبًا تفاعليًا بين المدرّب والمتطوّعين كأن يقوم المدرّب بطرح أسئلة ومواقف ويطلب الإجابات من المتطوّعين ثم يعقب على تلك الإجابات..  


2. أهمية الوقت: تدريب المتطوّعين على أهمية الوقت في الأنشطة التطوّعية.. من المهم لمنظمي أنشطة وبرامج العمل التوّعي اعتماد الوقت بدءًا وانتهاءًا وعدم الالتزام بالوقت يساهم في تخريبها ويضفي عليها طابع الفوضى وعدم الاهتمام.. إن اعتماد الوقت والانضباط فيه يعطي العمل التطوعي دفعات من الاحترام والانضباط والنظام مما يولد انطباعًا عند الآخرين بأهمية العمل التطوعي عند القائمين عليه. 


3. استمرارية التدريب: أن تتم عملية التدريب على فترات معينة فحتى المتدربين على العمل التطوعي يخضعون لدورات تدريبة بعد فترات من العمل، فهناك تدريبات سنوية وهي لا تقتصر فقط على جانب واحد من التدريب فقد يكون تدريبًا في كيفية القيام بمسؤولية تطوعية ما أو تدريبًا في فن التعامل مع الآخر أو تدريبًا في تنظيم الوقت أو النظام.. الخ.


4. التوثيق: من المهم جدًا توثيق التدريب نظريًا وعمليًا لما للتوثيق من أهمية كبيرة في تأهيل المتطوّعين كما وأنه يسهل عملية التدريب ويضبطها خصوصًا أن التدريب عملية متواصلة ومستمرة.. 


5. أهمية النظام: يعاني العمل التطوّعي من عدم التزام المتطوّعين بالقوانين التنظيمية التي تنظم حراكه ولذلك فإنه من المهم جدًا أن يقوم القائمون بالعمل التطوّعي بتقديم دورات تدريبية عن النظام وأهميته ووسائله وأدواته. 

6. توظيف التقنية: وفّرت التقنية المعاصرة الكثير من الخدمات في المجالات المختلفة ومن ضمنها مجال التواصل بين الأفراد. إضافة لبرامج التواصل الاجتماعي والتي من الممكن استخدامها لتسهيل عملية التنظيم بين أفراد العمل التطوّعي فإن هناك برامج ممتازة لتحديد المهام والمسؤوليات وموعد الانتهاء .. الخ. هذه البرامج تنظم عملية تحديد ومراقبة وإتمام المهمات.. ومثال على هذه البرامج Producteev والذي أنصح بالإطلاع عليه واستخدامه في العمل التطوّعي وهو كذلك برنامج مجاني.

التدريب مهمة صعبة وتحتاج إلى من يجيدها ويتقنها ومن المهم التفريق بين إتقان العمل وإتقان التدريب، فقد يكون الفرد ماهرًا في عمله لكنه لا يمتلك المهارة اللازمة لتدريب وتعليم غيره. أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لتناول جانب آخر من التطوير المستمر في العمل التطوّعي.

30 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment