Friday, August 15, 2014

طريق الحل،، طريق المشكلة // أبو مقداد







خطٌّ فاصلٌ كبيرٌ نعيشهُ في حياتنا، ربما في جميع فصول ومواقف الحياة، نكونُ فيها في لحظاتٍ حادة نحتاجُ فيها لحسمِ قرارٍ لحظيٍّ وآني، وقرارٌ في هذهِ الظروف، لا بُدَّ له أن يكونَ قرارٌ دقيقٌ وحكيم، لا يحتملُ الخطأ، كما أنَّ فرصةُ تصحيحه والتراجع عنه ستتضاءلُ كلما زادت حساسية الموقف وحجم القرار، لذلكَ فلا بُدَّ من اختيارهِ بعنايةٍ وسرعة، ومثلُ هذه المواقف لا تحتملُ فرصةً للتفكير المطوّل، لذلك تحتاجُ لقدرةٍ فائقةٍ تعملُ فيها كلّ مُعالِجات الدماغ بأقصى قوتها في الدراسة والتحليل والتفكيك والربط والتركيب والاستنتاج، ثم أخذ القرار والجرأةُ في تنفيذه، الأمرُ الذي يعتمد على قوةِ الحضور الذهني وسرعة البديهة والخبرة، لا الحظ والصدفة.
 
كثيرةٌ هي الحالات التي قد نمرُّ بها ونجدُ أنفسنا في امتحانها اللحظي الصعب، كقرارٍ سياسي سريع، أو انقاذ حالةٍ في حادث، أو محاولتنا لتفادي حادث سير، والعديد العديد، نتكلم اليوم تحديدًا عن جانبٍ مهمٍ قد نتعرض له باستمرار وتكرار شديد، وقد لا نلتفت له، وهو سلوكياتنا وقراراتنا في لحظات الغضب، والغضب هو حالةٌ شعورية أولية، وانفعالٌ طبيعي للتعبير عن الاستياء من شيء ما. وعدم قدرة الفرد من التحكم والسيطرةِ على قواه العقلية في هذه الحالات قد تودي به لممارسة كل ما قد يرفضه في حالته الطبيعية، وما لن يحمُد عقباه.
 
يغضبُ الإنسان، فيفقدُ قدرتهُ على الاتزان العقلي، وتغيب الحكمة عن ذهنه، ويبدأ في فقدان اتزانه، فيدخل شيئًا فشيئًا في طور الحماقة فيكون في هذه اللحظة تحديدًا بين خيارين، في مفترق طرقٍ، لا مجال إلا لسلك واحدٍ منهما، طريق المشكلةِ والآخر طريق الحل، إما أن يستسلم لغضبه وعواطفه ويسلك طريق المشكلة الذي يبدو بأنه الطريق الأسهل، وتبدو في نهايته علامة النصر الزائفة، أو الاجتهاد في مقاومة الحالة هذه، وقهرها ومحاولة استعادة الاتزان والحكمة وتحمل صعوبة هذا الطريق الوعر، الذي قد تبدو نهايتهُ هزيمةٌ وخسارة على عكس الحقيقة.
 
الإستسلام لحالة الغضب هذه، وإن كانت أسهل الطرق، إلاّ إنها ستكونُ بوابةً للمزيدِ من المشكلات التي ستضطرنا للخوض فيها مرارًا "بطريق مشكلة " جديد في كل مرة، وقد تتفاقمُ لتصل لحد اللا حل، كأن يُغضبك أحدهم، فتبدأ بالصراخ عليه، فيرد لك الصراخ، ثم تتحولُ للشتائم، فيردها لك فتنزعج أكثر، وقد تصلَ للتشابك بالأيدي، فيؤذي أحدكما الآخر، مما قد يستدعي تدخل آخرون من الطرفين، وقد تتدخلُ العوائل وتصل لخصوماتٍ بسبب لحظةِ غضبٍ لم تتمكن من السيطرةِ عليها، وهذا المثالُ واقعيُّ جدًا، ويحصلُ في أحايين كثيرة، فكم من شجاراتٍ بين عوائل شتّى، كانت شرارتها شجار شخصين ينتميان للعائلتين، والصعوبة قد تكمن في عدمِ تمكن الطرفين في وضع احتماليةِ أن يكون سلوكهما أو قرارهما أو موقفهما هو الخاطئ وسببًا للمشكلة بسبب نظرتهما القاصرة، فيتصرفان على أنهما الحقُّ المُطلق، وغيرهما الباطلُ الأبدي، وربما أصْل المشكلة كانَ سوء فهمٍ اشترك فيه الطرفان، بينما لو في بدءِ لحظةِ الغضب تمكنتَّ من استحضار فكرة طريق الحل والمشكلة وكظمت غيظك وقلت سامحك الله، أو بحثت عن طريقٍ يؤدي بكما لمنطقة حلٍّ مشترك يقبلهُ الإثنان، ولو اضطررت للتنازلِ عن بعضِ مصالحك فيه، لانتهت المشكلةُ في لحظتها وكفى الله المسلمين شر القتال، وما أقولهُ هنا ليست مثاليةٌ لا يمكن تطبيقها وحالة افتراضية، بل هي ممكنة جدًا، وهي ذاتها الأخلاق الإسلامية التي جاءَ بها الصادق الأمين نبي الرحمة محمد صلوات الله عليه وعلى آله، فموقفهُ الشهيرِ مع اليهودي الذي كانَ يؤذيه، ما ردَّ عليهِ سوى بطريق الحلِّ حين زارهُ في مرضهِ، فاستمالَ قلب اليهودي بحسنِ خلقه. وقد يشعرُ البعض في لحظات غضبهم أن تصرفهم بطريقة النبي (ص) مع اليهودي، قد يضطرهم لفقدانِ شيءٍ من كرامتهم، أو التنازلِ لخصومهم، وهذا ما يُصعّبُ المسير في طريق الحل، ويسهلَ طريقَ المشكلةِ الحاد والمساهم في تفريغ الشحنات العاطفية بسرعةٍ وقوة، دون التمكن من التفكير في عواقبِ المسيرِ فيه.
 
استحضار فكرة طريق المشكلة وطريق الحل، أثناء حدوث الغضب، أمرٌ في غاية الصعوبةِ، وقد يحتاج لتمارين عصبية وبرمجية عديدة، فضلًا عن التدريب على اختيار طريق الحل من بين الطريقين، وفن احتواءِ المشكلة والموقف وابتكار أسلوبٍ في حل هذا الموقف والتعامل معهُ بإيجابيةٍ دون الوقوع في كمٍّ أكبر من المشاكل، وتمكن الإنسان من التحكم في نفسهِ في حالة ما كالغضب ستمكّنهُ أيضًا من التحكم في نفسه وعواطفه وتركيزه في جميع مواقف حياته، حتى الموت الذي قد يسبب للبعض الألمَ الشديد لفقدان عزيز ما، قد يتمكن هذا الفاقد من استحضار فكرة طريق الحل والمشكلة، ويتعاملُ بإيجابيةٍ مع الموت، فيعملُ بأخذ العبرةٍ من جهةٍ وترويض نفسه وإصلاحها، ومراجعة استعداده للقاءِ الله، وقد يفكر فيما قد يصنعه لمتوفاه العزيز لينقذه من عذاب القبر كإهدائه صدقة جارية باسمه، أو في الزواج، فالاختلاف الجذري بين تكوين الرجل والمرأة لن يتمكنا من احتوائه إلا بالتفكير في ابتكار طرق الحل لإيجاد مساحة التكامل الحقيقي بين الطرفين، والابتعاد كل الابتعاد عن طريق المشكلة. وقد تبدو عدم إمكانية هذه الأمور في بدئها إلا أنها مع الترويض ستكون في غايةِ الإمكان.
 
كم من العلاقات نخسرها، وكم من المشاريع تتفكك، وكم من المؤسسات تُهدم، وكم من الحروب قد تنشب، وبيوت تُهَدم، بسبب قرارٍ أو كلمة، أو سلوك، في لحظةِ غضبٍ فقدنا فيها قدرتنا على الالتزام بالحكمة والهدوء، ورجعنا للندم عليها لاحقًا، حيث لا يمكن إصلاحها! لذلكَ أقولُ لا بُدَّ من تعلم، والتعود على ثقافة التمييز بين طريق الحل وطريق المشكلة، والممارسة لاكتساب مهارةِ اختيار طريقة الحل، لا طريق المشكلة المرهِق بامتياز.

14 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment