Friday, August 22, 2014

بلاء بلباس فضيلة // إيمان الحبيشي

 
 
منذ نعومة أظفارنا ونحن مطالبون بأن نكون أطفالًا مثاليين، لا يبكون حين يداهمهم الجوع، ولا تكفهرُّ وجوههم حين يحتاجون للنظافة، يقبلون بسعادة تقييدهم بحبال ضاغطة تخنق تمرُّد أياديهم وأرجلهم، يبتسمون حين يكون مزاج الأهل سعيدًا، ويكفون عن أي صوت حين يكون مزاج الأهل تعيسًا!!
 
ثم نكبر قليلًا، فنحبو ثم نمشي فنكون مطالبين بالابتعاد عن الأواني الخزفية، التي تزين ممرات شققنا الصغيرة، وأن نمتنع عن اللعب بالرمل في رحلاتنا الأسبوعية للحديقة، حتى لا تتلف ملابسنا، كما لا ننسى أننا مطالبون بالالتزام بالوجبات الصحية الثلاث، دون تمرُّد أو حتى محاولة اختيار!
 
حتى يشَّتد عودنا.. ونمضي في هذه الحياة إما تحت كنف أسرنا، أو بشيء من الاستقلالية لنربي أطفالنا، تمامًا كما رُبينا!!
 
هل من الطبيعي حقًا أن يبتعد الطفل عن كل أذى؟ أم أن الطبيعي هو أن يحاول الأطفال استكشاف كل ما يقع تحت أيديهم؟!
 
هناك فرق كبير يكمن بين ما نريده أن يكون، وبين ما يجب أن يحصل.
 
نريدهم أن يخطوا سريعًا دون أن يتعثروا.. والطبيعي أن يقفوا ليسقطوا، ثم ليحاولوا الوقوف مجددًا، حتى يتمكنوا من التخطي، فالمشي، فالركض!
 
من منا تحرر من مثالية التربية الخيالية، إلى طبيعته البشرية برشاقة؟
 
الكثير من الرجال والنساء، يعيشون ظروفًا اجتماعية أو اقتصادية أو وظيفية سيئة جدًا، مستسلمين لذلها وسياطها وربما عارها، لا يحملون في أذهانهم مجرد فكرة التغيير، لأنهم يعتقدون (أنَّ الله مع الصابرين)!
وتمر عليهم الأيام وهم حزانى، يعيشون على أمل معجزة إلهية قد تحصل حقًا، أو قد يدفنون تحت التراب ولم يأن موعد حدوثها، لتستنقذهم من البؤس إلى النعيم!
 
رجال كثروا أو قلوا، كان قدرهم زوجات سليطات مؤذيات، تحلن بين المرء ووالديه، يعيش حياته مخبئًا عنها محاولاته للتواصل معهما، درءًا للفتنة وإجتنابًا للمشكلات، إذ أن لشريكته حق عليه! وواجبه أن يتحملها وإن بأسلوب يؤدي لتماديها وقطيعة رحمه!!
 
فتيات كثروا أو قلوا، يعشن تحت كنف والد قاس، يمنعهن من الزواج ويبعد عنهن الأهل والخلان ممن يرفضون سياسته، بحجة أنه الأعرف بمصلحتهن، فيقبلن ويصمتن ثم تتوافد عليهن الوفود لتهنأتهن على طاعتهن لولي أمرهن!
 
فضائل كثيرة كالطاعة والصبر وربما الصمت، حولناها بسوء فهمنا، وسطحية قراءتنا لها، واستسلامنا لاستغلال الكثيرين لنا باسمها، حولناها لبلاء يلتفّ حول رقابنا، برضانا ليخنقنا..
 
الصبر فضيلة ليست في تحمل الوضع المؤذي الذي وجدنا أنفسنا فيه، أو حملتنا الظروف إليه فحسب، الصبر فضيلة أيضًا حين نتحمل مشقة درء الأذى عن أنفسنا، وحفظ كرامتنا، والاستماتة في انتزاع حقوقنا، ومجابهة الجميع من أجل تغيير واقع لا يرتضيه لنا الله، وقد منحنا حق وإمكانية تغييره. 
 
الطاعة فضيلة حين لا تكون قيدًا في معاصمنا، يقيدنا عن لذة الطاعة لله، وجميل استرضاء النفس فيما أتاحه لنا الإله، طلبًا لسمعة يكون عنوانها الصبر على الطاعة، في حين أن الإحسان هو العنوان الأقرب لطبيعتنا.
 
نحتاج أن نتعرف على طبيعتنا البشرية، وإمكاناتنا الشخصية، وما يريده لنا الله من العزة والكرامة حتى نمنع أنفسنا وآخرين من فرض خيارات نظن ويظنون أنها الأمثل، بينما في حقيقتها هي مخالفة للفطرة التي فطرنا الله عليها، مخالفة لما يريده الله لنا من أن نستعمل عقولنا وقوتنا الجسدية والعاطفية والذهنية، في سبيل أن نكون سعداء راضين قانعين، داخل إطار الطبائع البشرية وتحت درع الجهاد الأكبر للنفس الأمارة بالسوء، وفق قيم رسمها لنا الله حقًا، لا الأهواء ولا العادات ولا الجهل!
 
22 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment