Thursday, August 7, 2014

مرض النميمة // محمود سهلان

 
 
قالَ تعالَى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ). [القلم: 10 ـ 12].
 
النميمة: وهي تُطلقُ على من ينُمُّ قولَ الغيرِ في المقول فيه، ومعنى ينمّ أنَّه ينقل قولَ الغير إلى المقول فيه.
 
يعمدُ الكثيرُ من الناسِ إلى نقلِ كلامِ فلانٍ (القائل) إلى فلانٍ (المقول فيه)، دون أدنَى مراعاةٍ لمَا قد يُسببه هذا الكلام، فإنَّه دونَ شكٍ سيؤثرُ في نفسِ المقولِ فيه ولو قليلًا، بلْ قد يزيدُ عن ذلك ليصنعَ الكثيرَ منَ المشاكلِ بين الطرفين ومن يُحيطُ بهما.
 
تناقلُ الكلامِ لهُ أسبابٌ مختلفةٌ، ودوافعٌ مختلفةٌ كذلك، وقد يكونُ حتَّى عن حسنِ نيةٍ، ولكنَّ كلَّ هذا لا يخرِجهُ عن موقعِ الخطأ، ولا يُصححُهُ، فهوَ في النهاية نميمةٌ، وذنبٌ من الذنوب التي نَهانَا عنها الشرع.
 
قد يقولُ البعض أنَّ الكلامَ الذي نقلتُهُ قالَهُ فلان، وأنا صادقٌ في كلامي، ولستُ كاذبًا في نقلي، فنرُدُ عليه، ونقول: لا مَدخليةَ لذلكَ في هذا الفعل، فإنَّهُ يبقَى نميمةً مرفوضةً، ودونَكَ التعريفُ الذي ذكرنَاه في بدايةِ حديثِنَا، دقِّق فيهِ جيدًا واحكُمْ بنفسك.
 
أظنُ أنَّ خللًا كبيرًا في المفاهيمِ، يرافقُهُ عدمُ معرفةٍ، هُمَا من أهمِ الأسبابِ في هذا المقامِ وغيره، بدليلِ الخلطِ الكبيرِ بينَ معنَى الغيبةِ والنميمةِ والبهتان، فالنميمةُ ما ذكرنَاهُ في صدرِ المقالِ، أمَّا الغيبة فهي ذكرُكَ أخاكَ المؤمنَ بما يكرهُ في غيابِهِ، والبهتانُ أشدُ منهما ربَّما، فهو شاملٌ لهما في الكثير من الحالاتِ، إنْ لمْ نقلْ دائمًا، فبالإضافةِ لنقلِ الكلامِ من وراءِ ظهرِهِ، هو كذبٌ كذلك، فيصبحُ الذنبُ مضاعفًا، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ نقلَ الكلامِ إلى المقولِ فيهِ إذا كان صحيحا لا إشكالَ فيهِ كمَا وضَّحنَاهُ.
 
فلننزل لأرضِ الواقعِ قليلًا..
 
كلمةٌ قالَهَا زوجٌ في زوجتهِ، وصلتْ الكلمةُ للزوجةِ عن طريقِ أحدِهِم، ولم يُعجبهَا ما قالَ، فأثَارَ مشكلةً بينَهُمَا، ثمَّ تتفاقمُ أكثرَ وأكثرَ، ثمَّ تنتهي بالطلاقِ ربَّما..
 
صديقٌ تحدثَ عن صديقهِ، قامَ صديقُهُمَا الثالث بنقل الكلام، تصادمَ الصديقانِ (القائلُ والمقول فيه) وانتهتْ صداقتهما فصارتْ عداوةً..
 
أحدُهُمْ تكلَّمَ عن فردٍ من عائلةِ مَّا، وصلَ الكلامُ لأحدِ أفرادِ تلكَ العائلة، اتَّخذوا موقفًا منه وأرادوا ردَ الاعتبار، والنتيجة نزاعٌ بين عائلتين، وتفككٌ في المجتمع..
 
هذِهِ أمثلةٌ لا يخلُو واقعنَا منهَا وبكثرةٍ، فإنَّ نقلَ الكلامِ باتَ شيئًا عاديًا، دونَ النظرِ لنتائجِهِ وآثارِهِ، ودونَ النظرِ للفائدةِ من نقلِ هذا الكلامِ أم لا، ودونَ أدنى تفكيرٍ، وكأنَ مهمتنا أنْ نتحدثَ عن فلانٍ أو أنْ ننقلَ كلامَ فلان، بينمَا نحنُ مأمورونَ بالتدبرِ في عاقبةِ الأمور، وبتقديمِ الصمتِ على الكلام، وإن تحدثنا فلنقل خيرًا، وهذا ما يدعو له العقلُ كذلك.
 
أيَّهَا الأعزاء، إنَّ هذه العادات الذميمةِ ليسَ من شأنها سوَى تدمير المجتمع، لذلك وجبَ على كل عاقلٍ غيورٍ على المجتمع أن يترفَّع عنها، ويعاملها معاملةَ النجاسةِ، فيتقززُ منهَا، ويرميها بعيدًا، كي لا تصيبَهُ ولا تصيبَ غيرَهُ بسوءٍ لا يُحمدُ عُقباه. 
 
كفانا هدمًا لمجتمعنا وأمتِنَا، ولنصحح الطريق ونعيدَ البناء على أسسٍ قوية.
 
 
11 شوال 1435

No comments:

Post a Comment