Thursday, August 7, 2014

ما سمعتون؟!! // أم حسين




يُحكى في سالف العصر والأوان، أن رجلًا كان يعمل بالتجارة، وله بين الناس مقام وهيبة عالية بجداره، أراد يومًا أن يشتري عبدًا ليخدمه ويعين زوجته في داره، ذهب للسوق ورأى عبدًا بنيته قوية، فسأل النخاس بكم هذا يا أبن الناس!؟ فقال له بسعرٍ زهيدٍ ففيه عيب أكيد، وما هذا العيب إن كان ما تقول صحيح، فقال إنه نمَّام والنميمة والعمار لا يجتمعان.

 فلم يكثرث الرجل لكلام النخاس واشترى العبد وذهب به إلى بيته، وما هي إلا أيام حتى ابتدأ العبد ببيع الكلام، فبدأ بصاحبة الدار فقال لها:هل تريدين امتلاك قلب زوجك!؟

وبكل خبث ودهاء قال: سأصف لك وصفة تجعله يحبك ويبقى طيلة عمره قربك، عندما ينام خذي سكينًا واقطعي خصلة من لحيته وسلميها لي أعمل بها أقوى  سحرٍ يقوم به الجن والأنام.

فوافقت بالحال وهي تقول متى يعود سيد الرجال، رجع التاجر إلى بيته استقبله عبده وقبل يداه، وقال: سيدي عندي لك سرٌ خطير فهل أنت لي مجير، فقال: افصح ولك الأمان.

فقال: سيدي امرأتك تريد قتلك، ورأيتها تسن سكينًا لقطع رأسك، فذهب التاجر وتظاهر بالنوم وإذا بزوجته تأتي ممسكة بسكين ومَدَّتْها لعنقه لتأخذ من لحيته وفي هذه اللحظة فتح التاجر عينيه وأمسك بالمرأة وقتلها بيديه.

وعندما تأكد العبد من أن الرجل قتل زوجته، ذهب لأهلها يصرخ انقذوني انقذوني سيدي قتل سيدتي ويريد قتلي..
 
وتركهم وذهب إلى أهل زوجها وقال اسمعوني وقوموا معي لننصر سيدي فزوجته أرادت قتله فقتلها وقام أهلها لقتله.

فقامت الفتنة ودارت رحى الحرب.. 

قصة حملتها لنا ذاكرة جداتنا لم تنتهِ وما زلنا نعيشها في هذا الزمان.. اختلفت الأنماط والتفاصيل وبقت العناوين والنهايات واحدة (الغيبة والنميمة والفتنة) سقتها النفوس المريضة فتجذرت في أعماق مجتمعاتنا فأثمرت نماذجًا فاسدة.. انتشرت في مجالسنا ومآتمنا وبيوتنا فلم يعد لعبق المحبة مكان، (قال فلان) و (فعل علان) بداية لقصة نهايتها  خراب ودمار وقطع وصال.

إن أحاديث معظم مجالس النساء تكاد تخلو من أي حديث له قيمة تذكر وليت الأمر يقتصر على توافه الأمور، بل يتعداها ليتلاعب بمصائر الآخرين، فما أن تنفرد اثنتان في مكان إلا ووجدت أمامهما جثة ثالثة مسجية ينهشان في لحمها، وﻻ ينفض ذلك المجلس حتى تشعران بحالة من التخمة والغثيان، فتغادران وفي الطريق تصادفهما رابعة فيهمس لها (ما سمعتين!!؟) وكأنها جاءت بالخبر اليقين.. تفتح فمها وتتقيأ قليلًا مما أكلت منذ قليل.. تخفيفًا لتخمتها، تتقزز الرابعة وترحل، عالقة في أنفها رائحة ذلك القيء ﻻ تريد أن تفارق ذهنها.. فرصة يأبى أبليس إﻻ أن يستثمرها فيتوسل لها ويستكين، أين وفاؤك!!؟ وأنتِ تتركين الآخرين ينهشون لحمها! أتقفين هنا وتتفرجين!! تقع في الفخ فتلملم عباءتها لتستر نفسها لتذهب وتفضح الآخرين.. تطرق باب من كانت جثة مسجية، تجلس وتتقيأ وﻻ تتقزز من هي محور الحديث فعطر الأخيرة يملأ المكان ويخدر العقول والأذهان.

وينتشر الوباء.. 

لم تنتهِ القصص ففي القلب حديث طويل، ولك من القلب اعتذار قارئي العزيز لإشعارك بحالة من الغثيان.. فالتمس لي العذر فواقعنا اليوم أليم، فالنميمة والغيبة والفتنة ظاهرها أحرف شكلها جميل تتشابك وتكون كلمات وقعها مثير نجمعها ونرسم بها أحاديث لتمضية وقتنا المتكدس لخمول عقولنا، إلا أن تأثيرها يزيد سوءَ حالنا وسنبقى نعاني من سوء الحال حتى وإن عكفنا العمر كله ندعو ونطلب ونتضرع فحالنا نتاج أفعالنا..

وماذا نفعل نحن!!!؟

نغتاب لنمزق كل المعاني الجميلة، وننمَّ لنعكر صفو حياة تتألق بطمأنينة.. إننا ننهش لحم بعضنا لبعض!!! حتى أمسى جسد مجتمعنا ممزق بجراح تنزف حتى شلته فما عاد يقوى على الحراك لكثرة الأمراض.

قال تعالى:(ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصَل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)( الرعد25).

 وقوله سبحانه: (والفتنة أشدّ من القتل) (البقرة/ 187)

 وقوله: (ولا تطع كل حلاّف مهين* همّاز مشّاءٍ بنميم* منّاعٍ للخير معتدٍ أثيم) (القلم / 10 ـ 12).

 وقوله عزّ وجلّ: (ويلٌ لكل هُمَزَةٍ لُمَزَة).

ولكي نعود لجادة الطريق الصحيح ونداوي بعضًا من الجراح علينا بتنفيذ أوامر الإله:

1- امسك لسانك قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم (وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصاد ألسنتهم).

2- اغلق أذانك عن كل مغتابٍ أثيمٍ وانهاه عن فعلته (وأمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر).

3- لا تصدق أبدًا ما يُنقل لك، قال تعالي:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾،(سورة الحجرات).

4- لا تتجسس ولا تبحث فيما نُقل إليك لقوله تعالى (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا).

ومن قلبي المحب أقول:

امنح وقتك لمن يفتح لك أبواب لآفاق جديدة وما أكثرها، وحلق بروحك عاليًا لترفع نفسك معها عن كل ما هو دنيء.
 
7 أغسطس 2014

No comments:

Post a Comment