لفت نظري بشكل كبير جدًا، طلب زوج من زوجته إيقاف عادتهم السنوية، وهي الإطعام على حب الحسين (ع) في يوم محدد من أيام عاشوراء، وتحويل المبلغ المصروف ذاته لأسرة، تعيش ضائقة مادية، ورب تلك الأسرة مهدد بالسجن بسببها، على حب الحسين (ع) أيضًا، إلا أن الزوجة رفضت طلبه وأصرت على عادة الطبخ السنوية!
للبذل في سبيل إحياء أيام عاشوراء وإطعام معزي أبي عبدالله الحسين (ع) أهمية كبيرة وصريحة لا يمكن إنكارها أبدًا، وقد نجدها واضحة في ما رواه البرقي، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين، قال: (لمّا قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام)، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم) (1).
يبدو أن في الإطعام ثلاثة أبعاد رئيسية:
١/ البذل (وقد يكون في غير الإطعام).
٢/ البركة (وميزة الإطعام عن غيره أنه يختلط بمكونات جسم الإنسان من دم ولحم).
٣/ سد حاجة المحتاجين والتوفير على المعوزين.
١/ البذل (وقد يكون في غير الإطعام).
٢/ البركة (وميزة الإطعام عن غيره أنه يختلط بمكونات جسم الإنسان من دم ولحم).
٣/ سد حاجة المحتاجين والتوفير على المعوزين.
لكن لو ألقينا نظرة على الشكل الذي تتجه إليه عادة الإطعام في مجتمعنا في عاشوراء تحديدًا فأتصور أنها تحتاج منا لوقفة جادة.
ليست المشكلة في وجود مضائف متعددة لتقديم الطعام والشراب للمعزين على مدى أيام عاشوراء، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كون الكثير من تلك الأطعمة فوق حاجة المعزين أصلًا، إذ يشهد سوق اللحم ارتفاعًا في المبيعات بنسبة 300% وعلى الطرف الآخر تزيد نسبة المخلفات في عاشوراء (2)، إذ أن (الإحصاءات تؤكد زيادة كمية المخلفات في موسم عاشوراء بضعف المخلفات المتولدة في باقي أيام السنة) (3). كما كُشف عن إزالة 350 طنًا من المخلفات خلال موسم عاشوراء لعام 2013، بزيادة مقدارها 15% عن العام الذي سبقه (4).
عملية الإطعام في موسم عاشوراء لا تستهدف المعوزين كما يظهر لي، بل تستهدف المعزين والمقيمين وكل من يتواجد بمحيط توزيع الطعام، وهو أمر جيد بلا شك، لكن لو تحركنا من دائرة الإطعام الضيقة نسبيًا لدائرة البذل وهي الأوسع مساحة، فقد نقضي حاجات حقيقية لأسر تعيش أزمات مالية تهدد كيان الأسرة، كالمثال في بداية المقال بدلًا من أن نملأ بطونًا ممتلئة أصلًا. مع الحفاظ على بركة الإطعام في عاشوراء وذلك عبر توزيع المهمة بشكل منظم ومقنن وإيجابي جدًا وهو أمر صعب في البداية إلا أنني أتصوره سهل يسير مع مرور الأيام. فمن الممكن أن يكون لكل قرية صندوق عام مخصص لتبرعات أيام عاشوراء تصرف في عمليتي البذل والإطعام، فتقوم كل حسينية ومسجد وهيئة وناد في تلك القرية بالمساهمة بملء ذلك الصندوق ثم يوضع مبلغ معين من المال تحت مسؤولية إدارة كل مضيف ومأتم يحمل على عاتقه المباشرة في عملية إطعام المعزين، على أن تكون عملية توزيع الطعام منظمة تضمن تنوع الطعام دون تكراره وحصر الكمية الحقيقية المحتاجة من الطعام. فنضمن بذلك عدم إلقاء ما يفيض بسلة المهملات، فيوفر مأتمٌ ما وجبة الغذاء ويوفر آخر وجبة العشاء، ويقدم مضيفٌ ما العصائر وآخر السندويشات، وتعزل بقية الأموال لبذلها باسم الإمام الحسين (ع)، في عملية سد عوز أبناء المنطقة، وتوفير المنح الدراسية، والمساعدات العلاجية، وإقامة مجالس العزاء، وطباعة كتيبات للأطفال والكبار، وتوفير الكتب وزوايا الرسم لنشر الوعي بمبادئ محمد وآل محمد.
تلك طبعًا مجرد فكرة من الممكن أن توضع لها خطوات تنفيذية حقيقية وذلك من أجل الارتفاع بموسم عاشوراء للحد الذي أراده له ومنه آل بيت محمد.
كثيرًا ما يتحدث الكتاب والخطباء والمثقفين عن ضرورة ذرف الدمعة حزنًا على مصاب سيد الشهداء، مع الاعتبار من قضية الحسين تحت عناوين العطاء والإيثار والحب في الله والإحسان للإنسان، وأظن أن توجيه الأموال في موسم عاشوراء في الاتجاه الذي يرتقي بفكر الإنسان، ويرفع عنه ذل الحاجة والعوز، ويقوي الروابط الاجتماعية من خلال عملية التكافل الاجتماعي حبًا في الله وامتثالًا لوصايا أهل البيت عليهم السلام هو إحياء حقيقي لأمرهم تحت بند الاعتبار وأي اعتبار. ألم يطلب الامام الصادق عليه السلام أن نحيي أمرهم؟ وهل أفضل من إحياء أمر أهل البيت عمليًا عبر كل ما ذكرناه منذ قليل؟
يقول الامام الصادق (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم). فلنكن دعاة حب وخير وسلام بغير ألسنتنا إنما بنوايا صادقة وأيادي عاملة تقدم للمجتمع كل المجتمع خدمات جليلة باسم الحسين عليه السلام ليكون ذكره بحق شمعة تضيء أبد الآبدين.
لفتة: الصورة أعلاه لمضيف من المضائف الحسينية التي تحاول الارتقاء بالإنسان عبر (إطعام) عقله بزاد المعرفة. أقدم الشكر والدعاء بالتوفيق للقائمين عليه.
1 نوفمبر 2014
__________________________________________
1/ المحاسن 2: 420 كتاب المأكل الباب (25) حديث (195).
2/ http://www.alwasatnews.com/4438/news/read/932782/1.html
3/ http://www.alwasatnews.com/mobile/news-930275.html
4/ http://www.alayam.com/mobile/details.aspx?id=199468
1/ المحاسن 2: 420 كتاب المأكل الباب (25) حديث (195).
2/ http://www.alwasatnews.com/4438/news/read/932782/1.html
3/ http://www.alwasatnews.com/mobile/news-930275.html
4/ http://www.alayam.com/mobile/details.aspx?id=199468