Friday, October 24, 2014

نظريةُ: العَبْدُ عَبْدٌ // محمد علي العلوي

 
 
تقوم أهم النظريات السياسية وأكثرها نفوذًا على واقعيةِ تَرَكُّبِ المجتمع (البشري) من طبقات عقلية وفكرية وربَّما (عِرقية) لن يتمكن أحدٌ أنْ يتخلص منها أبدًا.
 
هكذا يَدَّعون، والتنبيه هنا على أنَّ الطبقية المقصودة ليست الطبقية الاقتصادية، بل تلك التي تُحَدِّدها الثقافة في عمقها الوجودي، ولذلك قالوا:
 
لا يمكن للعبد إلا أنْ يكون عبدًا ولو وُزِّرَ ولو تُوِّجَ، وليس للملك غير الملوكية وإنْ بات على بساط الفقر، والعامل الكادح لن يكون غير عامل كادح، وهكذا هُم يتحدَّثون عن الحقيقة الثقافية المتجذرة والتي لن تتغير -بحسب زعمهم- وإنْ عرضتْ عليها ثقافاتٌ يفرِضُها التَّغَيُّرُ الظاهري للظروف.
 
في الغالب هم لا يؤمنون بإمكانية التغيير إلا على المدى البعيد، وأقله جيل (33 سنة)، ومن هنا يكون تعاملهم مع الحالة القائمة على أساس أنَّها غير قابلة للتعديل، فالسارق يبقى سارقًا والجاهل على ما هو عليه، وكذلك صاحب الخمرة والمخدرات، ومثلهم البليد والعصبي، فهؤلاء يبقون، والتغيير في جيل بعدهم أو أكثر..


أمَّا المهم عندهم فهو أنْ تكون صياغتُهم للخطة السياسية متضمنةً وبشكل أساسي على استيعاب كُلِّ طبقات المجتمع، كل طبقة بحسبها، فطبقة الصراعات والنزاعات لا بدَّ أن تُقَوَّى فيها هذه النزعة وتُوَفَّرَ لها أرضية النزاع وفق معايير وموازين معينة، منها أن يُزَجَّ فيها كُلُّ من يريدون إشغاله عن لحظة استفاقة محتملة، وأمَّا طبقة جُمَّاع المال فيلاعبونهم في الأسواق بمختلف أنواعها، ولأصحاب (الكيف) يتفنون في مَدِّهم بأصناف الخمور والمخدرات وما نحوها، وعلى نفس النسق (يُنَطِّطُونَ) السياسيين.. وقِسْ على ذلك..


فقرةٌ اعتراضية:


(إذا علقتْ سمكةُ الهامور في صنارة الصياد، فإنَّه سوف يخسرها لو أمهلها لتختبئ بين الصخور، وأمَّا إذا علق (السبيطي) فطريقته مختلفة ولن يظفر به الصياد إن لم يتقن فَنَّ ملاعبَتِه بخيط الصيد.)


لن أستطرد كثيرًا في هذا الموضوع، فهو من المواضيع التي تحتاج إلى ورقة بحثية خاصة، وإنَّمَا بدأتُ به لأنعطف مع القارئ الكريم الانعطافة التالية:
 
بحسب استقرائي الناقص وجدتُّ أنَّ أغلب الناس يعتقدون بجهالة أغلب الناس!!
 
كُلُّ واحدٍ منهم يرى حاجة الآخرين لوصاية من نوع خاص، فهم (الآخرون) عنده أولًا وأخيرًا مخدوعون.. واهمون.. مُنساقون.. همج رعاع.. تُبَّع..
 
كما وأنَّ كُلَّ واحد منهم يبني قناعاته ورؤاه على أنَّ الناس لن يتغيروا، ثم يعطي نفسه صلاحية توجيههم وحمايتهم..
 
وبحسبة بسيطة نفهم الآن كيف أنَّ الصراعات دائرة بين هذا وذاك، شخصًا كان أو حزبًا أو تيارًا، والميدان هو (الناس) الذين حُكِمَ عليهم بأنهم (لا يفهمون)!!
 
بقدر ما هو محزن فهو أيضًا مضحك؛ فكُلُّ طرف في ساحة (البشر) يريد حماية (البشر) من الأطراف (البشرية) الأخرى، ويُظهِر للجميع خوفه وصدقه وإخلاصه في دفاعه عنهم، ولكنَّني أحتمل قويًّا جلجلةَ مقولة فرعون في داخله..(أنا ربكم الأعلى)!
 
وهو في الغالب يبرر بأنَّها قناعات وليس من العيب أن يدافع (بشرٌ) عن قناعاته!!
 
نعم.. هناك عقول وُفِّقَتْ للعلم ورُزِقَتْ الحكمة، وهذا أمر طبيعي لاختلاف الظروف من شخص إلى آخر، ولكن غير الطبيعي هو أن يُصِرَّ (المثقف) ومَنْ في حُكْمِهِ على أنَّ الناس لن ترقى إلى مستواه ولن تكون يومًا قادرة على الاختيار، وهذا هو المرض الأبرز الذي يحجزنا عن التقدم لقيادة أنفسنا..
 
الإنسانُ قادرٌ على التفكير وقادرٌ على التحليل وقادرٌ على الاختيار وقادرٌ على تحمل المسؤولية، ولا يحتاج إلى أكثر من فكِّ يد التسلط التي تخنقه..
 
لِكُلِّ صاحب قناعة أن يطرح قناعته في ضمن أطر ثلاثة: الاستدلال النقي، والأدب الصفي، والخُلُق الندي. ثم فليترك الناس لتقيم وتختار، وإن زلَّتْ أو انحرفتْ أو ضلتْ فليس له أكثر من البيان ثانيةً وثالثةً وعاشرة في ضمن نفس الأطر الثلاثة المذكورة، ولا حق لأحد أن يُنَصِّبَ نفسه (حاميًا للديار)، إلا بأمر من جهة العصمة.
 
يلاحظ القارئ الكريم وجه، بل أوجه الشبه بين السياسة العالمية لدول الاستكبار في تعاملها مع الأمم والشعوب، وبين السياسات الداخلية التي يمارسها سياسيون وخطباء ومبلغون وكُتَّابُ وشعراءُ ومنشدون ومغردون مع جماهير الناس، والفرق أن أولئك يرجعون نظرياتهم إلى فلاسفتهم، وأما هنا فالدين قرآنًا وعترةً وسنةً واستنباطًا!
 
لا أطيل. والسلام.
 
25 أكتوبر 2014

No comments:

Post a Comment