Friday, October 3, 2014

أوليست حياتنا حج!!؟ // أم حسين

 
 
 
وقفت مبهورة عيناي لا تصدق ما تراه وعقلي يتساءل هل هذه حقيقة أم أنني أحلم!!؟
 
مشاعر لا أعلم كنهها تجول وتصول بقلبي، حرصتُ أن لا تطرف عيناي على رغم كل الدموع المنهمرة، لوحة فنية روحانية سبحان من رسمها حيث لا غطاء غير السماء، وبشر اكتسحوا بالبياض يطوفون في حركة دائرية أبصارهم متوجهة لبيت الله وقلوبهم خاشعة تطلب العفو والغفران. لم أشعر بنفسي إلا وأنا بينهم وقد تلاشى كل شي ولم تبقى سوى هويتي الأولى، (إنسانة) جوارحها تردد الله لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
 
الحج محطتي التي شكلت الفارق. قبل أعوام عزمت على أداء مناسك الحج وقد عزمت قبلها على أن أعود لله ليكون الحج خطوتي الأولى إليه سبحانه.
 
قصدتُ الحج للتوبة النصوحة، وكنت أنتظر انتهاء مناسك الحج لأعود كما ولدتني أمي، فجلّ همي كان أداءالمناسك بطريقة صحيحة لأضمن صك الغفران.
 
وأحرمت..
 
وعلى الرغم من كل الأكياس السوداء التي غطت المرايا تنبيهًا للحاج بحرمة نظره إلى المرآة، إلا أنني نظرت لوجهي في أول مرآة نُسيت بدون غطاء، فما زالت الدنيا حينها متمكنة من نفسي فالانسلاخ منها فجأة غاية في الصعوبة.
 
إلى جبل النور..
 
رافقني خيال أختي التي قضت نحبها وهي تؤدي مناسك الحج ولكن خيالها كان مبهورًا كما كنت بكل تلك الحشود المليونية المتجهة للوقوف بعرفة، وصلنا إلى عرفة..
 
عندما كنت أستمع إلى منسك (الوقوف بعرفة) كنت أعتقد أننا سنقف حتى غروب الشمس على أرجلنا على جبل النور، ولم أكن أعرف أنني سأقضي اليوم بوقفة مع ذاتي لأعرفها.
 
إلى المشعر..
 
المشعر كنتُ متعبة جدًا، ولأنني لا أمتلك النقود حينها لأشتري بساط أنام عليه أضطررت لافتراش الأرض وتوسّد الحجر لآخذ قسطًا من النوم. ما زلت أشعر بالراحة والاطمئنان كلما تذكرت منظرنا جميعًا ونحن نائمون على الأرض.. لا يهمّ ما تحتنا أو ما بجانبنا.. ما يهم هو قسطًا من الراحة.
 
إلى منى..
 
عشقتُ منى.. فالجميع يتجول بين الخيام يبحث عن أصحابه بشوق وحب، انعكس إحرامهم على قلوبهم فأحرمت فصَفَتْ وتَطَهَّرَتْ ورَفرَفَتْ كالملائكة تملؤ ابتساماتهم الأجواء بمحبة لم أشهدها من قبل.
 
ورمينا الشيطان..
 
دهشتُ  لتمييزي جمرتي رغم آلاف الجمرات التي تُقذفْ في نفس الاتجاة، فعندما كنت أقذفها أنفصل بطريقة غريبة عن المكان بكل ما فيه لأكون أنا وجمرتي فقط، فأرى بوضوح مسارها وإصابتها الهدف من عدمه.
 
وعُدْنا..
 
لتكون البداية كما النهاية لبدايتنا، من الله وإلى الله.. إلى بيته وحضنه الدافئ برحمته وحبه وعطاءه اللامحدود..
 
(الحج) نموذج مصغّر للحياة بكل ما فيها.. ورشة عمل مصغرة نتعلم منها كيف نعيش الحياة الحقيقية.. مراحلها متسلسلة بالمناسك وكل حركة في الحج هي درس للحياة.
 
فلنتوجه لله كما نتوجه لبيته.. ونحرم بأنفسنا عن الشهوات والملذات لنحرم تلقائيًا عن أذية الآخرين.. ولنكن محرمين في كل عمل نقوم به.
 
أسعي وطُفْ في الحياة كإنسان لا يميزك سوى إنسانيتك.. عندها فقط  سيسود الأمان الداخلي بنفسك ليعم السلام الخارجي كما يعم في بيت الله والناس تطوف بكل أجناسها وطوائفها.
 
قِفْ دائمًا مع ذاتك لتعرفها كما وقفتَ معها في عرفة.. حينها تب لله وابدأ من جديد فأبواب الله لا تغلق أبدًا.
 
استشعر أحوال الناس في السراء والضراء وكن معهم دائمًا تقاسم الحياة معهم بحب ومودة كما في المشعر الحرام.
 
ولتكن أهدافك وأعمالك في هذه الحياة كجمرتك قوية.. مسارها الخير لتضرب بنهايتها الشيطان.. وانفصل عن أي محيط قد يشتت أفكارك ويثبط من عزائم الخير في نفسك.. ولتكن أنت وهدفك فقط كما كنت أنت وجمرتك.
 
وتذكر دائمًا كما انتهت حجتك بالعودة لبيت الله ستنتهي رحلة حياتك بالعودة لله..
 
الفرق بينهما أن لا فرصة أخرى في رحلة الحياة.
 
نحن نحج في كل خطواتنا وهمساتنا فليكن إحرامنا مستمر..


أوليست حياتنا حج!!؟
 
4 أكتوبر 2014

No comments:

Post a Comment