Friday, October 31, 2014

حضور الشخصيات في الوجدان الشيعي // ز.كاظم

 
 
عندما كنتُ صغيرًا كنت دائمَ الشكر على نعمة الولاية لمحمد وآل محمد، فحقيقة لا أجد أكبر نعمة من أن أكون شيعيًا مؤمنًا بالله ووحدانيته معتقدًا برسالة محمدٍ صلى الله عليه وآله ونهجه وولاية علي عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام.. كنتُ ولازلتُ أعدُّ ذلك من أفضل النعم عليّ كإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا.
 
تصادفُ هذه الليلة -ليلة السابع من المحرم- ليلة الهالَوين عند المجتمع الأمريكي حيث الصغار تتنكر في زي الأشباح يذهبون من بيت إلى بيت طلبًا للحلويات ممارسين طقوسَ وعادات مجتمعهم.. في حين يُمارس الشيعة في هذه الليلة شعائرهم الحسينية بكاءً ونحيبًا ولطمًا على قمر العشيرة أبي الفضل العباس عليه السلام.. مستلهمين من فضائله ومواقفه معاني العزة والإباء، والشجاعة والوفاء، والنخوة والعطاء.. وبينما يُحيي الشيعة في أرجاء العالم تلك الشعائر الحسينية في هذه الأيام، فهناك الكثيرون مِمَن يُمارسون حياتهم بشكل عادي لا يعرفون لا حسينًا ولا عباسًا، ولا طفًا ولا كربلاءً.. بل إن علِموا بممارساتنا، فإنهم يتعجبون: ألا زلتم تبكون أناسًا ماتوا من قبل قرون وقرون!
 
من حقهم أن لا يستوعبوا هذا التعلق بهذه الأحداث والشخصيات، من حقهم ذلك إذ أنهم لم يروا أمهاتهم تبكي وتنحب كلما مر ذِكْرُ العباس على قلبها.. فقمر العشيرة يحتل مكانة كبيرة في الوجدان الشيعي. بنتُ أخت زوجتي لم يتعدَ عمرها الثلاث سنوات تشرد من أمها التي تريد أن تضربها على سوء فعلها وهي تصيح: "بدعي عليش عند العباس يقطع ايدش إذا ضربتيني".. فتتوقف الأم وتراضي ابنتها.. ما الذي أوقف الأم وغيّر سلوكها؟ وكيف فطنت هذه الصغيرة إلى قوة العباس المعنوية في وجدان الأم؟
 
في المجتمع الغربي هناك حضور لشخصيات بعضها وهمي والبعض الآخر حقيقي، ولعل أقوى شخصية وهمية تحتل وجدان الأطفال في الغرب هو السانتا كلوز، تلك الشخصية التي تصاحب أيام الكريسمس.. ولهذه الشخصية حضور قوي في تقويم سلوكيات الأطفال، فالهدايا التي يحصل عليها الطفل من السانتا كلوز لا تكون إلا للأطفال المؤدبين المطيعين.. إلا أن هذا الحضور يضمحل بمجرد أن يكبر الطفل فينفصل عن هذه الشخصية بمجرد علمه أنها شخصية وهمية لا حقيقة لها.. أما الشخصيات الحقيقية من رؤساء وعظماء فحضورها في وجدانهم ليس كحضور شخصياتنا في الوجدان الشيعي والتي تظل مرتبطة بنا مهما تقدم العمر. فالعباس يظل عباسًا حتى الموت.. يخفق قلبنا حين يمر ذكره، وتهمل دمعتنا حين نسمع مصابه.
 
هناك تقارب في حالة الارتباط بالشخصيات بيننا وبين مجتمعات وديانات وعقائد الآخرين، إلا أن هناك تمايزٌ واضحٌ أيضًا في حالة الارتباط هذه. فالعامل التربوي والثقافة الدينية تعزز من هذا الارتباط بهذه الشخصيات، فهي ليست مجرد قصص وتاريخ وأحداث ومواقف حدثت وانقضت، بل هي ارتباط معنوي تربينا عليه ونصرُّ أن نلتصق به إيمانًا واعتقادًا.. فالشعائر الحسينية في كل عام بالرغم من كل الانتقادات التي تصاحبها إلا أنها تعزز هذا الارتباط.. ومن الجميل جدًا أن يعزز هذا الارتباط  سلوك هذه الشخصيات فينا..
 
فشجاعة العباس تقتضي منا أن نكون شجعانًا، ووفاءه تقتضي منا الوفاء.. وإيثاره للماء في لحظة هي من أحرج اللحظات درسٌ بليغٌ يجدر بنا أن نستلهمه ونمارسه في تعاملاتنا.
 
 
رجوعًا إلى الطفلة ذاتِ الثلاثة أعوام، لا أعلم لماذا انطبعت صورة قطع أيدي الآخرين عن العباس لكي تهدد أمها بالشكاية عند أبي الفضل لقطع يدها إن اعتدت عليها بالضرب، في حين أن الصورة المفترض أن تتلقاها البنت هي مدى الرحمة التي يتمتع بها العباس عليه السلام حينما سمِع أنين الأطفال من جراء عطشهم.. صورة تكشف عن حنان ورحمة للطفل من المفترض على الأمهات أن تترجمها إلى سلوك مع أطفالهم،  فلم يروِ التاريخ عن العباس أو المعصومين أنهم مارسوا الضرب أو الصراخ مع أطفالهم، بل على العكس من ذلك تمامًا، فالاحترام والتقدير وحسن الخلق هي السلوك الدائم لأهل بيت النبوة.. ربما تكونت الصورة تلك عند الطفلة لشجاعته سلام الله عليه في مقاومة الأعداء وردع أذاهم عن معسكر الحسين (ع)، فرأت الطفلة أمها -حين أرادت ضربها- من الأعداء ورأت نفسها من أطفال معسكر الحسين (ع) والمحامي عنها العباس بن أبي طالب، أقول ربما.. ألا نحتاج أن نعزز الصور الحقيقية للمعاني السامية التي مارسها هؤلاء الأطهار مع أنفسنا وأطفالنا ومجتمعنا؟ 
 
قوة جبارة يملكها أبو الفضل في قلوب محبيه، تخيّل أن تتحول هذه القوة العظيمة في النفوس إلى سلوكيات عباسية تُمارس في المجتمع؟


1 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment