Friday, October 24, 2014

المدمن إنسان // أم حسين


شاب في منتصف الثلاثين من عمره، طويل، قوي البنية، أسمر اللون وابتسامته ساحره.. معه لا تستطيع أن تسيطر ضحكاتك فتنطلق عاليةً مع نكاته اللطيفة وروحه المرحة، كان يلجأ لبيتنا حين ييأس من واقع حياته كمدمن هربًا من رفاق السوء ليعتكف مع نفسه  للإقلاع عن إدمانه، وكنت خلال تلك الفترات لا أكاد أراه، فقد كان يمضي يومه بين الآلام التي تعصف بجسمه ليتخلص من السموم وبين النوم منهكًا لنفس السبب.
 
إرادته قوية حين يقرر الإقلاع، ففي كل مرة لجأ فيها إلى بيتنا ليقلع رحل عنا معافى من إدمانه..


وما أن يعود إلى بيته حتى يبدأ رفاق السوء وشياطينهم بالتفنن في أساليب دعوته للعودة معهم..


يقاوم.. بطردهم مره وبتوسلهم مرة أخرى لتركه والابتعاد عن حياته ولكنهم أبوا تركه، فرحل قبل عدة أعوام عن هذه الحياة بعد أن أمضاها بين الإقلاع والعودة من جديد لإدمانه.
 
الإدمان..
 
عرفت هيئة الصحة العالمية (سنة 1973) الاعتماد (الإدمان) بأنه حالة نفسية وأحيانًا عضوية تنتج عن تفاعل الكائن الحي مع العقار، ومن خصائصها استجابات وأنماط سلوك مختلفة تشمل دائمًا الرغبة الملحة في تعاطي العقار بصورة متصلة أو دورية للشعور بآثاره النفسية أو لتجنب الآثار المزعجة التي تنتج عن عدم توفره، وقد يدمن المتعاطي على أكثر من مادة واحدة.


يتضح علميًا إن المدمن مجرد (إنسان مريض) ومرضه جانب سيء قد تصطف معه جوانب إيجابية عديدة، وهذا المرض بالإمكان علاجه..
 
فلماذا يصر الناس على تجاهل كل إيجابيات المدمن ومحوها بسلبية واحدة في شخصيته!!؟
 
كشفت الخبيرة العلاجية د. معصومة عبد الرحيم في صحيفة الوطن المحلية بتاريخ (17 سبتمبر 2014م) عن أن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود 20 إلى30 ألف مدمن في البحرين، مشيرة إلى أن الأمراض المنتشرة عند المدمنين بشكل عام متمثلة في التهاب الكبد الوبائي 95% C، والتهاب الكبد الوبائي، 5% B، حالات HIV التي أدت إلى الإيدز 350 حالة، ازدياد حالات الإيدز من 16-20 حالة سنويًا.
 
30 ألف مدمن!!
 
حتمًا تقف خلف ذلك الرقم الضخم أسباب كثيرة وعميقة ونقف نحن كأفراد ومجتمع نواجه الرقم ذاته حاملين على أكتافنا مسئولية كبيرة اتجاهه.
 
فمن هو المدمن في حياتنا!!؟
 
عائلته والمجتمع..
 
يعيش مع عائلته يتمنى قربها واحتوائها، وهي أبعد ما يكون عن احتياجاته النفسية،  فيهرب من كلمات التقريع والتأنيب ونظرات النبذ والاشمئزاز من دائرته الأولى، ليواجه مجتمع أغلق أبوابه وأوصدها أمامه ليتركه الجميع يواجه مرضه وحيدًا.


فكيف سيصمد!!؟


لا شك في أن التعامل مع مدمن المخدرات حساس جدًا وقد يكون صعب في الغالب نظرًا لكل الظروف العضوية والنفسية التي يمر بها، فنعامله وكأنه مخلوق غريب أو جان مخيف.. وتغيب عنا حقيقة أنه إنسان سيطرت عليه نفسه الأمارة بالسوء فضعف وزلت قدمه ليسقط في حفرة الإدمان فنهرب أو نجتمع حوله وبدل إنقاذه نبدأ برجمه وكأنه شيطان رجيم.


الخطأ الفادح الذي ترتكبه العائلة أولًا وبعدها المجتمع هو الاعتقاد أن المدمن عضو فاسد ينبغي استئصاله من جسد العائلة والمجتمع، فنحكم عليه وننفذ حكمنا الظالم متناسين بذلك كل مبادئ النصح والتكاتف  للإصلاح والعلاج بدل الاستئصال، ألم يقول رسول الله (ص): 


مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى. 


فلا بد من الإيمان بوجود نسبة وإن كانت بسيطة في عودة المدمن إلى السيطرة على نفسه ولجمها ومن هذه النسبة ننطلق معه يدًا بيد لنعود به إلى جادة الصواب.


فالمدمن إنسان..

25 أكتوبر 2014

No comments:

Post a Comment