Friday, October 3, 2014

لماذا لا تنجح مشاريعنا الثقافية؟ // أبو مقداد

 
 
فئةُ الشّباب، هي الفئة النَّشِطة، العاملة، الحيوية، والمرحلة العمرية المُفعمة بالحياة والعطاء، لذلكَ لا بد من إعداد هذه المرحلة والاهتمام بها بشكلٍ جيِّد، فكثير من جوانب الحياة تعتمدُ على نشاط هذه الفئة.

وبالطبع، فالمشاريع والبرامج الثقافية الشبابية من أكثر المشاريع والبرامج التي تلقى رَواجًا وانتشارًا وتفاعلًا. كذلك هي من أكثر البرامج القادرة على الإنتاجِ والتأثير. وهناك تجارب عديدة تكللت بالنجاح والاستمرار، وبعضها استمر في نجاحه لفترةٍ من الزَّمن ثم استسلمَ للفشل، والبعض الأخير لم يُكتب لهُ النَّجاحُ أصلً.
 
فلماذا لا تنجح أكثر مشاريعنا الثقافية، بالرغم من احتوائها على الأفكار المميزة والمُثمرة؟!
 
حين أتحدث عن المشاريع الثقافية، فأنا أقصد أي فكرةٍ أو برنامجٍ أو فعالية تؤثر في ثقافة الفرد والمجتمع سلبًا أو إيجابًا. وحديثنا هنا حول المشاريع الثقافية الإسلامية، وسأحاول التعرض لعدد من المشاكل التي تعاني منها مشاريعنا، وتعيق استمراريتها ونجاحها:-
 
- من الطبيعي أن تكون لكل فردٍ منا حياتهُ الخاصة، التي يتقاسمها مع حياتِه العامَّة، فيكون المشروع عائمًا بين الحياتين. وفي كثير من الأحيان لا يحمل الفردُ همَّ العمل وجدية الانضمام في هذا المشروعِ، وقد يعتبره من باب التسلية أو الترويح، فينصدم بجديته وبمسؤليات ليست في الحسبان. وقد لا يفوق ضغطُ المشروع طاقتَه إنما حجمُهُ قد يفوق توقعاتَه ويُصدمُ به. وقد ينشغلُ عنهُ بعد فترة ويخفتُ همَّهُ وإصراره على إنجاح هذا المشروع مما يؤدي لفشله. وعدم اعتبار وجودهُ فيه ضرورة وأولوية، وتنظيم الوقت وفق هذه الضرورة والأولوية، سيتسبب بالطبع بالخمول وانخفاض نسبة الإحساس بالمسؤولية في إنجاح هذا المشروع. لذلك فأول ما يقع على عاتق الشباب المؤسِّس هو الاهتمام والإيمان بأنفسهم، وبما يقومون به، وجعله من أولوياتهم التي لا بد من أن ينجحوا في إنجازها. ومن المهم جدًا أن يعي أعضاء كل مشروع، أنهم لا يمثلون أنفسهم فيه، بل يمثلون بعضهم البعض.. يمثلون الفكرة التي يحملونها.. يمثلون الهدف الذي يسعون له.. يمثلون إنتاجهم وإنجازهم. فتميّز أحدهم، نجاح للجميع.. وفشل أحدهم، فشل للجميع. لذلك فلا بد لمن يحملُ هم المشروع، أن يُعطيه ويُخلِص له بقدرِ ما يؤمن به.
 
- لا بد لأيِّ فكرةٍ من خطةٍ ونظرةٍ بعيدة المدى، ولا بد من إيجاد الآلية المناسبة لتحقيق هذه النظرة، كما لابد من توفير الأرضية المناسبة للظروف الواقعية التي تُمكِّنُ من الوصول للغاية المثالية. فالخطة الفضفاضة الغير محكمة، أو الخطة القوية بلا خارطة عملٍ دقيقة في أي مشروعٍ كان، ستُنهِكُ من  يعمل بها، وقد تفقده إيمانه وثقته بنفسه، وستحولُ كلَّ جدِّه وجهدهِ لهباءٍ منثور. الخطة بعيدةُ المدى هذه ليس بالضرورة أن تحقق أول ثمارها بوقتٍ قصير، قد تطول لسنين، فلا بد من تصورٍ زمنيٍ تقريبي لهذه الخطة.
 
- قد يتعذر ويشكوا الكثير من القائمين على بعض المشاريع، بقلة الكوادر، وشُح الأعضاء. وهنا أختلفُ مع من يحتجُّ بهذه الحجَّة، حيثُ أن كوادرنا في كلِّ تخصصٍ ومجالٍ متوفرةُ ونملك كفاءات عالية، إلا أننا نحتاج لنستفيد منها وتوظيفها بالشكل الصحيح لعدد من المهارات الأساسية أذكر منها ثلاثًا في غاية الأهمية:-
أ) مهارة استقطاب الكوادر: العمل الإسلامي أو التطوعي، هو عملٌ يحتاجُ لطاقة وجهدٍ ووقت، دونَ مقابلٍ مادي كالراتب الشهري، بل ربما قد يحتاجُ لبذل المال في كثير من الأحايين، ومردوداته عادةً ستكون إما معنوية، أو يكون أثرها إنجاز المشروع ونجاحه. لذلك فمن الطبيعي أن استقطاب الكوادر يحتاج مهارة خاصة، وفن في الاستقطاب، خصوصًا مع وجود العديد العديد من الفعاليات والمشاريع اللا إسلامية. لذلك فيحتاج صاحب المشروع لسبب مقنع يجعل الكادر الفلاني ينضم لمشروعه الإسلامي ويبدع فيه.
ب) التحفيز على الاستمرار: من أجل أن يبدع الفرد منا، لا بد له من بيئة ملائمةٍ له ومريحة. ولا بد من حافزٍ يدفعه للبقاء ويحثه على العطاء، ولا بد له من ملاحظة ثمار وجودهِ وعطائه - وإن كان العملُ تطوعيًّا -، كما لا بد للبيئة من أن تكون إيجابيةً تدفعه لترتقي بهِ ويرتقي بها. فشكل وأجواء هذه البيئة عامل مهم جدًا في حجم العطاء واستمراريته. أيضًا، يحتاج المشروع لإتقان فن التعاملِ معَ كوادره، فن في توزيع المسؤوليات، فن في الطلب، فن في التقييم، فن في المحاسبة، فن في الخطاب، في النقاش في المحاورة .... الخ. 
ج) التخصصية والتنمية: هذه من أهم الأمور التي يجب التركيز عليها في هذه المشاريع، فلو طلبتُ من أفضل رسًّامٍ أن يعزف على آلة موسيقية، سيفشل بالطبعِ، لا لأنهُ إنسانٌ  فاشل، بل لأنه وُظِّفَ في غير تخصصه. لذلك لا بدّ من التركيز على التخصص المناسب لكل فردٍ، وتوزيع المهام وفق هذه التخصصات، والتزامُ كل فردٍ بمهامه فقط، فلا يحق لرئيسِ لجنة ما أن يتدخل في مهام عضوٍ آخر ويقوم بدورِه.
كما أن لاهتمام المشروع بتخصص كل فردٍ ومحاولة تطويره وتنميته عبر الدورات التدريبية أو ورش العمل أو ما شابه، ولإضافة الخبرة والعلم لتخصصه فائدتان، الأولى تعتبر إضافة للفرد نفسه فتشكل حافزًا له على استمرار عطائه. والثانية، فائدةٌ ستعودُ بالنفعِ على المشروع نفسه، حيث أن الخبرة التي سيضيفها المشروع للفرد ستعود للمشروع نفسه.
 
- المشاريع الثقافية، في الكثير من الأحيان تخضع للإدارات المخضرمة والتي تحمل تاريخًا في منصبها. سلطة الكبار على المشاريع الشبابية، وسلطة الكهول على المشاريع النشطة قد يجعل تعامل الفئتين العمريتين مع بعضهما البعض صعبٌ جدًا بسبب اختلاف عقلية الفئتين. فعقلية وظروف شاب ثمانيني أو تسعيني في عام ٢٠١٤ تختلف بالطبع عن عقلية وظروف رجل ستيني في ٢٠١٤. لذلك فإن إدارة مشاريع حديثة بواسطة عقول قديمة ستعرض المشاريع لصعوبات كبيرة وعراقيل عديدة، قد تُفشل المشروع، أو قد تُفقِدهُ كوادر مهمين في أفضل الأحيان. بالإضافة لبعض المشاريع التي تخضع لسيطرة كبار السن كبعض المآتم مثلًا، هناك صعوبةٌ بالغة في التعاملِ معهم نظرًا لصعوبة مزاج الإدارة العجوز هذه. فتخيل مثلًا مأتمًا ما زال لا يستخدمُ مكبرات الصوت (المايكروفون) لأن كبير العائلة الذي يدير المسجد يعتقدُ أن المايكروفون لا يجوز استخدامه!! ( وهذا مثال حقيقي في إحدى قرى البحرين).

لذلك لا بد من الإدارة الشابة والكوادر الشابة بالإضافة للدماء المتجددة في كل فترة. ولا يعني هذا الاستغناء عن استشارة الكبار والاستفادة من خبراتهم وخبرات السابقين والبناء على ما انتهوا منه، بل هو أمرٌ ضروري وفق آلية متفقٌ عليها.
 
- قد يعجزُ البعض عن ابتكار المشاريع، او ابتكار الأفكار والبرامج ضمن مشاريعه، فيلجأُ لاستنساخ بعض تجارب الغير. واستنساخ التجارب بحد ذاته لا مشكلة فيه، إن تمّت وفق دراسات تراعي الفئات المستهدفة وبيئاتها وظروفها واحتياجاتها، فلكل حالةٍ ظرفها الخاص بها. مشكلتنا مع الاستنساخ الذي يكون الهدف منه المواكبة لا الوصول لأهدافنا الأصلية. فالفرق شاسعٌ بين أن نأخذ تجربتهم لنكونَ مثلهُم، أو أن نقتبس منها فكرة لنكون نحن. من أهم مشاكل عدم نجاح مشاريعنا هي المحاولة الدائمة لاستنساخ برامج الآخرين كالغير متدينين مثلًا، فلا يضفي ذلك رونقًا خاصًّا لبرامجنا وتبدو مستهلكة. ولو لاحظنا برامجنا الخاصة سنجد منها ما لم يغيره الزمن ولم يفشل، كالمنبر الحسيني مثلًا، مهما قوي أو ضعف إنتاجه، فهو مشروعٌ مستمر، قابلٌ للتطور. من جهةٍ أخرى يجب أن لا تكونَ مشاريعُنا بديلةٌ عن مشاريع الفساد، إنما مشاريعًا خاصَّة تفرض نفسها على أنها الأصل والفكرة. فالعزاء أو الأناشيد مثلًا ليست فكرةً بديلةً عن الغناء، كما أن النور ليس بديلًا عن الظلام.
 
- يحتاج كل مشروعٍ لتقييمٍ مستمر ودوري، ولا بد من تقييمٍ صادق و صريحٍ وواضح، يهتم بكل جوانب المشروع، من كفاءاتٍ وأفكار وكوادر وقياس الإنجاز بالأهداف، ومراجعة الخطة الاستراتيجية للمشروع وغيره من الجوانب الأساسية والفرعية. هذا التقييم سيوضح سير عمل المشروع وفق الخارطة الأم له، وسيشير لجوانب التميّز فيه لتنميتها، ومواطن الخلل لإصلاحها أو إزالتها إذا استدعى الأمر. وإهمال أو عدم تحري الدقة والصدق والوضوح في هذه التقييمات وتدخل العلاقات الشخصية والمحسوبيات والمجاملات على حساب جودة العمل سيُكرِّسُ الأخطاء ومواطن الخلل وينمّيها بدل أن يقضي عليها، مما سيُفشِل المشروع أو يعرِّضهُ لأزمات عديدة قبلَ أن يُنجزَ هدفه.
 
هذه جملةُ من مشاكلٍ أرى أن مجتمعنا ومشاريعه تعاني منها، وتُساهمُ في عدم إنجاح هذه المشاريع. بالطبع هذا ليس كل شيء، إنما إشارات على أمل أن تفتح أبوابًا للبحث أكثر في أسباب تميز بعض المشاريع الثقافية، وأسباب عدم نجاح الأخرى، والاستفادة من تجارب الآخرين.
 
أكتوبر 2014

______________________________________
* من الجيد الاطلاع على سلسلة مقالات عضو مدونة ارتقاء الأستاذ ز.كاظم المعنونة بـ (العمل التطوعي والتطوير)، واخترت لكم منها هذا المقال:
سلسلة مقالات (2): العمل التطوعي والتطوير المستمر - التوثيق // ز.كاظم http://ertiqabh.blogspot.com/2014/08/2.html

No comments:

Post a Comment