Friday, October 24, 2014

الاعتدال عند الاختلاف في الرأي // محمود سهلان

 
 
في ظلِّ الأحداث المتسارعة في البلد، ترتفع أصواتُ التخوين والتسقيط والمطالبة بالعزل الاجتماعي بشكلٍ ملفتٍ جدًا، فبات كلّ من نختلف معه في الرأي خائنًا، ولا يبحث إلا عن مصالحه الشخصية، أو الحزبية، ولا نفكّر أبدًا سوى في ذلك.


أقول أنّ علينا أنْ لا نتسرعَ في الحكم على أي فرد، حتّى لو اختلفنا معه في الرأي اختلافًا كبيرًا جدًا يصل حد التباين، فنحن لا نعرفُ منطلقات قراره الفكرية، ولا نواياه، فليسَ من العدل أنْ أسارع بعزل هذا الفرد مجتمعيًا، ووصفه بكلِّ ألقاب التخوين والتسقيط.


أين ذهبتْ كل القيم؟ أين ذهبتْ أحاديث حمل المؤمن على سبعين محمل؟ وأين ذهبتْ الدعوة إلى سبيل الله بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة؟


كل هذه المعاني صِرنا لا نكترث بها، وكأنّها لم تكنْ يومًا، وليس من الصواب أنْ نصلَ لهذه الحالة من الابتعاد عن المبادئ والقيم، حتّى مع اختلافنا كما سبقَ الكلام.
 
لا أقولُ ينبغي السكوت نهائيًا بحجة أنّها حريةٌ فكريةٌ، أو تشخيصٌ شخصي، أو ما شاكل، ولكن فلنتعامل مع الموضوع بطرقٍ أكثر وعيًا، وأكثر فاعلية، فإنّ تسقيط فلان وتخوينه لنْ يحلَّ المشكلة، وحتّى عزله اجتماعيًا كذلك، بلْ قد يزيد المشاكل بيننا، بينما نحتاج لأن نتقارب ونتوحّد على كلمةٍ سواء، تقودنا لما فيه الخير والصلاح، دون النّظر للمصلحة الشخصية والحزبية الضيقة.
 
وليسَ هناك قدوة أفضل من أمير المؤمنين (ع) عندما قدّم المصلحة العامَّة للأمّة والمجتمع، على أي مصلحةٍ أخرى، حتّى مع كونه صاحب الحق، فقال: (لأسالمنَّ ما سلمت أمورُ المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة)، فهذا الكلام وغيره من كلام الأمير، مع اختلاف الموارد، إلا أنّه يرشدنا لتغليب المصلحة العامة على أي مصلحةٍ ضيقة.


فلنَهدأ قليلًا، ونفكر ونتدبر ونتأمل كثيرًا، ونبحث عن تلك المصلحة التي تصب في مصلحة جميع الناس، دون أي تعصّب أو تعد على الغير أو ما شابه.
 
وإذا وصلنا في الختام لقرارٍ بأنّ فلانًا أخطأَ في قراره، فلنحاول معه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولنتدرج معه في محاولاتنا، دون التعدي عليه أو على غيره، ودونَ فضحه وتشويه سمعته كما يحدث أحيانًا، فالمذنب والمخطئ قد يتراجعُ ويتوب، فلا ينبغي أنْ نقطعَهُ عن التوبة، ونجعلَ خطأه وصمة عارٍ مدى الحياة.



٢٧ ذو الحجة ١٤٣٥ هـ

No comments:

Post a Comment