Friday, October 24, 2014

عاشوراء بين الشعائر والطقوس // أبو مقداد

 
 
أولًا نُعرّف العنوان في مصطلح الشعائر ومصطلح الطقوس.


الشعائر: ما ندب الشرعُ إِليه، وأمر بالقيام به وفي التنزيل العزيز: الحج آية 32 (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَالله فَإنَّهَا منْ تَقْوَى القُلُوبِ) وطريقة من طرق العبادة.
الشعيرة هي مجموعة من الأفعال لها دلالة رمزية وتؤدى على فترات زمنية محددة أو في مناسبات خاصة.


الطقوس: هي طريقة العبادة العامة المألوفة التي تقوم بها مجموعة دينية طبقًا لعاداتهم وتقاليدهم المعينة.*

إذًا فالفرق بين الشعيرة والطقس الديني هو أن الأول مما أمر به الدين أو حث عليه ووجهه، والثاني هو من وضع الإنسان وابتكاره، وبالطبع حين أقول من ابتكار الإنسان فهو لا يعني الأمر السيء على الإطلاق، فهناك الكثير من الطقوس المُبتكرة، تحقق أهدافًا ونتائجًا طيبة، أو على أقل الاحتمالات لن تخلف أي ضرر من إقامتها! 


في كل عامٍ يكون موسم عاشوراء موسمٌ حيويٌّ، وزاخر بالفعاليات والإحياءات لذكرى استشهاد الإمام العظيم، الحسين بن علي عليه السلام، ويتفرّغ الكثير ويجتهد لمثل هذه الإحياءات بشتى أنواعها، وكلٌّ يُمسكُ مجاله الخاص به، الذي يتقنه ويجد نفسه فيه، فالبعض في الموكب، والبعض في الشعر، والبعض في الخطابة الحسينية، والبعض في الإطعام وغيره، والغالب يساهم في تطوير الإحياء هذا.


جميلٌ أن نبتكر ما يساهم في تطوير هذه الإحياءات، فبدل أن يقتصر الشعر على قصائد النعي في المنبر وقصائد الموكب، صارت تقام أمسيات شعرية خاصّة بالموسم، وبدل أن يكون توزيع الطعام على حب الحسين عشوائيًا، صارت تُشيّد المضائف، وصارت تُنشأ المراسمَ الحسينية التي تستعرض مواهب الرسّامين والفنانين والمصورين والمصممين في الأعمال الحسينية، والكثير من الأمور التي ابتُكِرت بهدف تطوير الإحياء. ولكن المشكلة كانت في تحويل بعض الشعائر لمجرد طقوس خاوية، وتحويل الابتكارات والطقوس لشعائر مقدسة لا يمكن انتقادها أو الحديث عنها أو حتى تصحيح مساراتها!


فقد تجد مثلًا في مسار موكبٍ مركزيٍّ كالعاصمة أكثر من 200 مضيف للإطعام، وكلّها تقدم ما لذّ وطاب من مأكولات ومشروبات، وتتنافس لتقدم الأفضل. بعض هذه المظاهر قد يُفقد الموسم الحزين روحيته وقد يتحول لأشبه بمهرجان، وقد يوحي بأن عاشوراء تُختزل في الطعام والإطعام مما يجحف حقّ الحسين فيه، هذا فضلًا عن أن الكثير من الأطعمة تُرمى في القمامة بسبب الإسراف فيها وزيادتها عن الحاجة، وحين تحاول إبداء هذا الرأي ستواجه بسيلٍ من الهجمات مفادها أن هذا مال الحسين ونصرفه للحسين والإطعام مستحب ولا تمس الشّعائر، وقد يُستشهد بمضائف العراق في طريق المشّاية وكثرتها !!!


تحوّلت هذه المضائف لشعيرة المساس بها طعنٌ في الحسين، بغض النظر عن الكثير من السلبيات المسيئة التي قد تحدث بقصدٍ أو بدون قصد، والحديث هنا ليس بقصد إنهاء هذه المضائف إنما تنظيمها بالشكل الذي يخدم شيعة الحسين، بدون إفراطٍ ولا تفريط، وبما يُحافظُ على هيبة الموسم.


المضائف كانت مثالًا لتوضيح كيف أن بعض الطقوس، تتحول لشعائر بسبب الاعتياد على ممارستها، فتعود بنتائج سلبيةٍ بسبب سوء تنفيذها.


إنّ َعاشوراء هي محطة عظيمة جدًا ونحتاج أن نعرف جيّدًا كيف نستثمرها في ما يجعل من نهضة الحسين وهجًا ينير الحياة بدون انخفات، لا أن نساهم في قتل روح هذا الموسم بهدف إحيائه، فـ على حب الحسين سنجد الطرقات ممتلئة بالنساء والفتيات اللاتي جلسن لانتظار مرور مواكب العزاء للتفرج عليها، وقد تشارك في زحمة المضائف وإن اختلطت مع الرجال -لأخذ البركة- والغريب أن هؤلاء النسوة ستجبن أيضًا بأنهن تواجدن للموكب بهذه الصورة لإحياء الشعيرة!!!


مشكلة حقيقيةٌ حين تُستغلّ قيمُ الحُسينِ في قتلِ قيم الحسين وشعائر الحسين في تشويه شعائر الحسين، فمثلًا.. لبس السوادُ في محرّم هو إظهار للحزنِ والأسى، وبيان لحرمة الشهر وعظم المصاب، بينما بعض الفتيات في الشوارع تراهم قد صبغن أظافرهن باللون الأسود من باب المواساة، متناسين أن هذه تُعتبر زينة مما لا يرضي الحسين!
 
أو أن تتحول مواكب العزاء لوجبة دسمة للصراع والاقتتال بين المواكب، فنجد الموكب الفلاني، يتعمّد أن يضر الموكب الآخر في نفس المنطقة!
أو أن تكون شعيرة ما عند فئة، تعتبرها الفئة الأخرى طقسًا محرمًا، وجبة دسمة لبث العداوات والتهجم على الآخرين في كل عام!
 
وكله على حب الحسين!
 
وهكذا يتحول الموسم بغالب تفاصيله لمجرد طقوس وعادات يمارسها الشيعة في كل عام، خالية من أي مضامينٍ تُذكر، و من المؤسف جدًّا أن يتحول عاشوراء الحسين ونهضته الإصلاحية والفكرية العظيمة التي ضحى من أجلها بكل شيء لمجرد طقوس اعتدنا عليها!


كلاب رقية:
الكثير من فعالياتنا التي تقام في هذا الموسم، تُستَنسخُ من تجارب  لدولٍ أخرى، كاستنساخ المضائف من طريق مشاية كربلاء، وبالرغم من أنه في كربلاء ضرورة وفي البحرين أحيانًا كثيرة يصل لحد الترف، إلا أننا نقول بأن لا مشكلة في أصل الاستساخ، إنما في كيفيته وتقييمه إن كان صالحًا أو فاسدًا، وإن لم يكن فاسدًا، فهل يلائم أجواء المنطقة أم لا، وما حجم الفائدة المرجوة منه.
قبل أيام استمعت لمقطع صوتي لأحد مواكب البحرين لرادودٍ بحراني، يسمون أنفسهم بـ كلاب رقية، ويقول رادودهم في لطميته: 
"لن يفهم هذا الجنون
إلا الذي اختار الحسين
تعرفه من يحجي ويقول
زحفت بين الحرمين
لا مو رياء هذا الأمر
هذا نداء وللحشر
كلب رقية وافتخر"!!
ولا أتمكن من وصف حجم الإساءة التي أشعرني بها وهو يطلق على نفسه ويردد معه جمهوره" كلب رقية وافتخر"!!!
الموكب هذا استُنسخت فكرته من تجربة ايرانية لأحد المواكب هناك ممن يطلقون على أنفسهم ذات الاسم، وها نحن تربة خصبة لاستقطاب كل صالح وفاسد من تجارب العالم، ولو تُرِكت هذه الممارسة لا أستبعد أن تتحول لاحقًا لشعيرة مقدسة الحديث عنها هو طعن في الحسين ومحاربة لشعائر الحسين!

هل يعقل أن يخرج الحسين بشعار هيهات منا الذلة الذي يعز كل من والاه، لنتحول في أخر الزمان لكلاب ابنته؟
 
أي إهانةٍ ينشرون!
 
أتمنى أن تكون هناك وقفة جادة من المعنيين، علماء ورؤساء مواكب ومسؤولي مآتم ووجهاء القرى وغيرهم من أصحاب الرأي لتنظيم هذه الشعائر وحمايتها من العبث والتشويه. من المهم جدًّا أن يكون هذا الموسم، موسمًا خاصًّا لإحياء مبادئ وقيم الحسين، لإعادة نهضته الإصلاحية، لإشعال حركته الفكرية، لتحفيز روحه الشجاعة بيننا. من المهم أن نفهم معنى أن تكون كربلاء عِبرةٌ قبلَ العَبرة.


لا أبخس حق التحركات النهضوية الرسالية التوعوية الفكرية التي تتكاثر في كل عام وتنشط، وتحاول أن تعيد لمنهج الحسين روحه، وتحافظ على اشتعاله في أرواحنا، ولكن المشكلة في أن الموجة العامة مليئة بسلبياتها، فتغطي على إيجابياتها!!


ونسأل الله أن يوفقنا لخدمته، ويُعرِّفنا بهِ وبقدرهِ كما يستحق.


"المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري الراحل.. في استقبال عاشوراء:
 
هناك من يستقبل عاشوراء ببطنه وصدره، لا يجد شيئًا في عاشوراء إلا الولائم والأطعمة، والأسمطة، والَّلطم على الصدر، دون أن يعي أو يُدرك أيُّ معنىً للذكرى غير فرصة اللقاء بالأحباب، والسهر، والجلوس في الطرقات، وهذا استقبال مرفوض."



25 أكتوبر 2014
_________________________________________________
* التعريفات من موسوعة ويكيبيديا، ومعجم المعاني.

No comments:

Post a Comment