Friday, January 16, 2015

القوة الذاتية الكامنة.. كيف نكتشفها؟ - 2 // أبو مقداد

 
 
العلاقة بينَ الفرد والمجتمع علاقةٌ تكامليةٌ وتفاعلية بامتياز، لا يمكن لأحدهما النجاح إن استغنى عن الآخر، ولا بد لكلٍّ منهما أن يستثمر وجود الآخر للبناء الصحيح والسليم. ويؤسس الإسلام عدة نظريات مهمة في تنظيم هذه العلاقة، وقد تطرقنا لبعضها في المقال السابق بعنوان " القوة الذاتية الكامنة،، كيف نكتشفها."* وهذا التنظيم يأتي في سياق تقوية كيان المجتمع من أجل صنع أمة إسلامية مثالية وقوية تحملُ على كاهلها رسالة السماء على المستويين العملي والنظري.
 
بلا شك إن لوجود الفرد في المجتمع تأثيران، تأثير المجتمع عليه وتأثيرهُ هو على المجتمع. ومن المهم جدًّا أن يعي الفرد المسلم بأن المحور الرئيسي في هذه المعادلة هو المجتمع لا ذاته. فإن قويَ المجتمع قويَ هو، وإن ضعفَ مجتمعه، فلن تنفعه قوته. إن الفكرة الغربية الأنانية التي تجعل الفرد هو محورها هي من الأساسات الفعلية التي تساهم في ضعف البنية الاجتماعية عندنا، ولذلك لم يقبلها الإسلام، فلا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، بأنفسهم كقومٍ وكمجتمع، لا حتى ما يغير كل فردٍ فيهم نفسه، وأنفسكم ميدانكم الأول أي أنفسكم جميعكم لا نفسُ كل واحدٍ بشكلٍ منفرد.
 
طبعًا المجتمع مكونٌ من مجموعة أفراد هم الذين يشكلون قوة وضعف هذا المجتمع، وما أقولهُ أعلاه هو أن لا تكون قوة الفرد الواحد فيهم على حساب قوة المجتمع ككل، بل أؤكد على مبدأ اللافرد قبال أن يكونَ المجتمع هو الهدف والغاية.
 
وبالنظر لعملية القوة المتبادلة أعلاه أقول: إن من أهم أوجه قوة المجتمع وبالتالي قوة أفراده هو استقلاليتهم وتحررهم من السيطرة الطبقية أو الرسمية عليهم. بالطبع ونظرًا للظروف السياسية والإقليمية والأمنية في المنطقة فإنه من الصعب جدًا أن تتحقق الاستقلالية بشكلها التام ابتداءً، ولكن قسمٌ لا بأس فيه قد نتمكن من تحقيقه لو وضعنا خطتنا بعيدة المدى ومارسناها بشكلها الصحيح كحالة ثقافية.
 
كيف نتمكن من الاستقلال وفق ظروفنا الصعبة هذه؟
 
في نظري أن الاستقلالية الاقتصادية هي أول ما ينبغي علينا أن نبدأ به، فلو تمكنا فعلًا من الاستقلال باقتصادنا وتفعيل تكافلنا الاجتماعي أكثر وسددنا عوز وحاجات أهلينا دون أن يضطروا للجوءِ لمن يذلهم بالوقوف بطوابير الـ٥٠ دينار وما شابه، فقد نحقق الكثير. وهناك العديد من المشاريع الأهلية والتجارية التي يمكن أن تؤسَّس فيما بيننا لتحقق هذا الهدف، وهي مشاريع تعتمدُ بشكلٍ مباشر على حس المسؤولية المجتمعية وفكرة اللافرد. وستتحول الحالة من (سدِّ حاجة) لنقطة قوة إن تمكننا فعلًا من تحقيق هذه الفكرة.
 
من جهةٍ أخرى فإنَّ الاستقلالية الثقافية والفكرية لا تقل أهميةً عن سابقتها، وهي على مستويين:-
 
المستوى الأول: تمسكنا بأصالتنا وموروثاتنا الثقافية، كاللهجة وعلاقتنا بالأرضِ والبحر، والمآتم  وغيره، فتخلينا عن هذا التراث واتّكالنا على تراث وثقافة الآخرين سيكلفنا أننا سنتحولُ لشعبٍ ومجتمعٍ بلا هوية، نستورد كل ما نمتاز به. وما أضعفَ أن يكون شعبٌ لا هويةَ له.
 
المستوى الثاني: أن نرعى مشاريعنا الثقافية والفكرية والتي تنمينا وتطور من عقولنا ووعينا، كورش العمل والدورات التدريبية والمحاضرات، والأمسيات الثقافية، خصوصًا في ظل ما يسعى له (الآخرون) من جذب شبابنا وشاباتنا لمشاريعهم المختلطة بالرقص والغناء وما يفسد الدينَ والعقل فيهم. ومن الضروري - كما أرى - مقاطعة كل مشاريعهم الصالحة والطالحة والتعويض عنها بمشاريع خاصة بنا مستقلة عنهم حسب الإمكان، لنحقق ولو بقدرٍ بسيطٍ استقلاليتنا عن من يعمل للسيطرة علينا.
 
طبعًا وفي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها قد لا نتمكن من التحرك كما يحلو لنا ونطمح. ولكن أن لا نتمكن من تحقيق كل شيء، لا يعني أن لا نسعى لتحقيق شيء على الإطلاق، ففي كل مساحةٍ ضيقةٍ لا بد لنا من فسحةٍ نتحرك من خلالها، ربما تكون هي الباب لمساحةٍ أوسع. ورغم التضييق الذي نعاني منه، إلا أنه ما زال أمامنا الكثير من الخيارات والمساحات التي نتمكن من الانطلاق عبرها، فقط فلنفكر.. ولنعمل.
 
مثالان طرحتهما في مقالي هذا، لا أزعمُ أن من خلالهما تتحققُ كامل الاستقلالية المنشودة، ولكني على يقينٍ بأنهما سيساهمان في التحرك خطواتٍ نحوها، وعلى أقل التقديرات قد يسدان حاجةً وفراغًا نعاني منه وإن لم نشعر به.
 
 
17 يناير 2016
___________________________________________
*رابط مقال: القوة الذاتية الكامنة .. كيف نكتشفها
http://ertiqabh.blogspot.com/2015/01/blog-post.html?m=1

No comments:

Post a Comment