Friday, January 2, 2015

دائرةُ (الأنا) الواسعة // محمود سهلان

 
 
إنّ الأنا (الذّات) ليس بالضرورة أن تكون فردية، وهذا ما قد يغفلُ عنه الكثيرون، فإنّنا عندما نتحدَّث عن الأنا، فإنّ ما يتبادر للأذهان هو أنّنا نتحدثُ عن (أنا) الفرد، وهذا غير دقيق من النّاحية العملية، وإن كان هو الأقرب إلى الذّهن، خصوصًا إذا خلا من القرينة.
 
يطرحُ بعض العلماء ثلاثةَ أقسام للأنا، على رأسِها أنا الفرد، ثم أوسعُ منها قليلًا أنا العائلة، وأوسع منها بكثير أنا الانتماء (القومية والحزبية وغيرها)، فإنّها إن توسَّعت كانت أعم، وإن تضيّقت كانت أخص، وليس بالضرورة أن يكونَ الأخص أشد.
 
القسم الأول واضحٌ ولا يحتاج لمزيد إيضاح، فهو يضمُ من يجعل النفس مدار كلِّ شيء، ويستأثرُ لها بكلِّ شيء، ولا يهمّه حينها أحد.
 
أمّا القسم الثّاني فترى من يقطنُ فيه، يعيشُ المبادئ والقيم فيه داخل العائلة فقط، ويحب الخيرَ للعائلة دونَ غيرها، وبمجرد أن يخرجَ من إطارها يتحولُ لشخصٍ آخر، فلا قيمَ ولا مبادئ تؤثّرُ فيه، فما يقوده هو ما يدفعه لجلب الخير لنفسه ولعائلته مهما كان السبيل، ويختفي حينها أيّ شيء سوى هو والعائلة.
 
أمّا القسم الثالثُ فيتحدّد بحدودِ الانتماء الذي ينتمي إليه الفرد، فذاك لعروبته، وهذا لحزبه، وآخر لتيار ما، وهكذا، فيبحث عن مصلحته ومصلحة ما ينتمي إليه لا غير، حتَّى أنّه يجد كلَّ ما تقوم به الجهة التي ينتمي إليها صحيحًا. وما يقُدم عليه الغيرُ بما يخالف انتماءه خاطئ، ويستغلُّ كلَّ ما يمكنه استغلاله من أجلها، فيُصبح كلَّ شيء هي، ولا غير.
 
هناك قسم لم يذكرْ في التقسيم، لكنّني أجده مهمًا جدًا، ولا ينبغي إغفاله أبدًا، وهو أنا (الإنسانية)، وبذلك يكون هذا القسم رابعًا، ويحوي هذا القسم من وسّعوا الدائرة، وجعلوا رفعة الإنسانية وتقدّمها هي الهدف، وجعلوا المبادئ والقيم عامَّةً شاملةً للجميع، كلٌّ حسب قدره، ولم يحبسوا القيم والمبادئ في أنانياتهم وعصبياتهم، فتبقى كما هي في كل مورد يناسبها، وتبقى الإنسانية هي المحور حينها.
 
لو قسنا حال مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لوجدناها تعاني كثيرًا مرض حبّ الذات ولا غير، خصوصًا من القسم الثالث، فصاحب أيّ انتماء تجده عادةً يميل لهذه الذات ميلًا شديدًا، يعميه عن غيره، بينما كان الإسلام يدعونا للتّسامح والتّلاقي والتّفاهم والتّعاون. أجدنا بعيدين كلَّ البعد عن ذلك، واستعظنا عنه بالتّناحر والتّنافر والخلافات التي تصل حدَّ التّسفيه والتّكفير والقتل.
 
نعم فلنوسع الدّائرة، ولكن فلتكن من القسم الرابع، لا أقول بأنّ الانتماءَ ممنوعٌ، بل العكس فإنّ عدم الانتماءِ انتماءٌ أيضًا، لكن يجب أن لا نحوِّله لأنانيةٍ مقيتة، ولنجعله في مكانه الصحيح، وسيكون أمرنا إلى خير إن شاء الله.
 
 
١١ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment