نتعرّض أحيانًا لبعض الظّروف القاسية أفرادًا وجماعات، خصوصًا في الجانب المعيشي على المستوى الفردي، وجانب ضيقِ الوقت وفرص الالتقاء على مستوى المجموع، فتشكِّل هذه الظّروف عائقًا أمامنا، ونواجهها بطرقٍ وحالاتٍ مختلفةٍ فنقف أمامها بحيرةٍ أحيانًا، وبيأسٍ أخرى، وبهمَّةٍ وعزمٍ في غيرها، ولكلِّ ما نواجه الظروفَ به نتائجَه الخاصّة، فنفشل مرّةً، وننجح أخرى.
قد يستسلمُ بعضنا للظروف ويقف يائسًا أمامها، فترى من لديه الكثيرَ من مقومات الارتقاء والنجاح والإبداع جامدًا مكانه أمامها، فبسبب الفقر أو غيره تراهُ يتوقّف عن طلب العلمِ مثلًا، بل أنَّ بعضَ من يتعلَّم يجعل دراسته طريقًا للمعيشةِ فقط، فيبتعدُ بالعلمِ عن مساره ـ اللّذيذ الممتع ـ المطلوب، فيحدُّ من تلك اللّذة والنّشوة التي يجلبها العلم، ويقيد إبداعه وتقدمه لوهمٍ يسيطر على الكثيرين، خوفًا على الرِّزق والمعيشة، بينما يحدِّثنا أميرُ المؤمنين عن الرِّزق فيقول أنّه مقسوم.
البعضُ قد يتكاسل في طلب العلم، فهو يعرف أهميَّته، ويتمكّن من كسبه، ولو بالقراءة والمطالعة، والاستماع للدروس والمحاضرات، ومشاهدة الأفلام العلمية والوثائقية، فيعطِّلُ عقله مصطنعًا الكثير من الأسباب، وعلى رأسها: أنّه لا يملكُ وقتًا للقراءة، والمطالعة! بينما نراه يجد وقتًا لكلِّ شيء، حتى لو كان ـ الشيء ـ تافهًا.
انظر للمثال التالي:
مجموعةٌ من أفراد المجتمع العاملين، أرادوا أنْ يتعلّموا بعض العلوم التي وجدوها مهمَّةً بالنّسبة لهم كمجموعة، ورغم الظروف والصعوبات التي واجهتهم، ولا تزال تواجههم، فإنّهم ابتكروا لهم طريقًا لذلك، فقبل أيامٍ فقط قرَّروا أنْ يدرسوا عن طريق الواتس أب، وبطريقة جميلة وحيوية جدًا، وقد لمسوا لذَّة كبيرةً فعلًا.
والمثال الآخر على المستوى الفردي:
كثيرًا ما نجد بعض أفرادِ مجتمعاتنا يعملون ويدرسون في ذاتِ الوقت، بل ويُضيفُون أمورًا أخرى لحياتهم، وهذا مثالٌ متكرر.
الآن.. بعض الظّروف قاهرةٌ حقيقة، فلا مجال للخروج منها بشكلٍ تام، فمَن يقع فيها فهو معذور، ولكنّها قليلة، وبعضها الآخر ليس قاهرًا في الحقيقة، إنّما نحن نتوَّهم قاهريَّتها، فقد تكون صعبةً أحيانًا، لكنّ سبل التّغلب عليها موجودة، فلا ينبغي أنْ نرضخَ لأوهامنا، وما أكثرها.
إذن فالمطلوب منا دراسة الظّروف بعقلانيةٍ ووعي، وتخليصها من الأوهام والزّوائد، ثم نحاول أنْ نجدَ طريقًا لنقارعها ونصل لمطلوبنا، بدلًا من التّكاسل واليأس، ولا بد من نتيجةٍ لسعينا في النّهاية، وإنْ لم تكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد.
كذلك، فالمطلوبُ من العوائل، ومؤسّسات المجتمع أن تعمل على مواجهة الظّروف التي تحيط بها وبالمجتمع بجدية، وبعقلانية، فإنّ بإمكانها فعلَ الكثير لأفرادها، وللمجتمع أجمع، وهناك الكثيرُ من الطُّرق المتاحة أمام المؤسّسات الثّقافية والخيرية، وكمثالٍ على ذلك أطرح مشكلةً قائمة، وأطرحُ حلًّا مختصرًا:
يسعى الكثير من أفراد مجتمعاتنا للدِّراسة بشكلٍ عام، لكنّ حاجتهم للعمل وتحسين معيشتهم تأخذ وقتهم، فلا يتمكّنون من الدّراسة صباحًا، وربما طوال ساعات النّهار، فلا يجدون فرصةً للدِّراسة إلا في المساء. هنا يأتي دور المؤسّسات الثقافية، وبكلِّ بساطة يمكن لهذه المؤسّسات إعداد بعض البرامج التّعليمية على مختلف طرقها، ومجالاتها، مما يتيح الفرصة أمام هؤلاءِ المحرومين من لذّة العلم.
وأختم بقولي أنّ أغلب الظّروف يمكننا التّغلب عليها، أفرادًا وجماعاتٍ، فلا عذر لأكثرنا..
٣ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ
No comments:
Post a Comment