Friday, January 16, 2015

الأنانية.. هادمة الزيجات // إيمان الحبيشي

 
 
سؤال صغير لجمع من الفتيات والشباب في سن الزواج قد يفتح لنا آفاقًا واسعة لنرى من خلالها كيف تحول الزواج بالنسبة لبعض الفتيات لمصباح علاء الدين تريد أن تفرك جداره ليخرج منه مارد وسيم جذاب رومانسي معطاء، يهمس في أذنها (شبيكِ لبيك أنا وعائلتي وما أملك رهن اشارة يديكِ). ولماذا تحولت مؤسسة الزواج بالنسبة لبعض الشباب لتحفة فنية (يكشخ) بها، صورة جذابة تناقشه حين يريد، وتسكت عنه حين يشاء، تقبل عليه كلما أقبل، وتتركه كلما أدبر، تساعده على قسوة الحياة، فتتحمل عبء العمل خارج البيت، لتعود بعد العمل لتحتضن تعبه الذي جاء به من الخارج، وهي تواصل مباشرة أعمال المنزل، وتتحمل شقاوة الصغار وتبعدهم عنه ليستريح في قيلولة ما بعد الظهر!
 
عن ماذا تبحث/تبحثين في شريك حياتك؟
 
كميات من (الأنانية) الفردية سوف تفوح من إجابات الجنسين، حتى أفضل الإجابات التي قد تلفت نظرك، فكلاهما يبحث عن الاستقرار دون أن يلتفت لدوره فيه، وكلاهما يبحث عن المستوى المعيشي المناسب، دون أن يبذل جهدًا أو يتنازل عن كمالية. مجتمعنا برمج الصغار ليكونوا رجالًا ونساءً يأخذون ولا يعطون، فابنتي لا أعطيها إلا لشاب متمكن (واللي معهوش ما يلزموش)، وولدي لا أخطب له إلا فتاة فائقة الجمال، متعلمة وموظفة، (جي وش ناقصنه؟). وحين يتجرأ والد ليضرب بعرض الحائط كماليات ثبتها المجتمع كأساسيات، ليَسعَدَ بابنته التي وجدت أن الزواج مؤسسة تقوم على كاهل طرفين ليثمرا للمجتمع وعيًا ونضجًا، فقبلت الزواج من شاب ضاقت عليه الحياة بصورة ما، بعد أن وجدت بينهما أرضية واعدة من التوافق، سيعنفه مجتمعه (چي بايرة فالتنها هالفلتة!). أو قد يسمع شاب سعى للزواج تحقيقًا لأهداف إلهية من فتاة يراها مجتمعها معيبة بشكل ما، كلمات توجع قلبه كل حين (جنه البنات خلصوا) حتى من أقرب الناس إليه!
 
حين يدخل طرفان، أو حتى طرف واحد لمؤسسة الزواج، وهو يحمل هذا القدر من الوهم حول ما ينتظره من هذه المؤسسة، فهل نستغرب حين تفشل زيجته؟!
 
أكثر من ذلك، حين ننشئ جيلًا تكون فكرته عن مؤسسة الزواج بهذا الكم من التشويه، فهل نعتقد أنه سيكون جيلًا قادرًا على التأقلم مع أزمات المجتمع والتي تتطلب أن يكون الفرد على قدر من المسؤولية الاجتماعية للدرجة التي ينكر فيها ذاته؟
 
اليوم، شاء الله للعديد من شبابنا التوجه لمختلف الأقطار ليبدؤوا نضالًا خارج الحدود الجغرافية، كما كان ولا زال حال العديد من الشعوب، التي صار لها جاليات في مختلف البلدان، هؤلاء الشباب يتوقون للارتباط من فتاة من داخل بلادهم، تشاركهم غربتهم، وتساهم معهم في بناء حياة كريمة. فهل نتوقع وبناءً على الطريقة التي نشأ عليها هذا الجيل بأن تتعاطى فتياتنا مع هذا الوضع الاستثنائي بشكل إيجابي؟ هذا ما آمله حقًا رغم تقديري لصعوبة هذا التحدي، إذ إن هذا المجتمع هو مجتمعنا جميعًا، ومسؤوليته تقع على عاتقنا جميعًا، وما تبنيه وتغرسه كل أسرة في نفوس أبنائها، ثمار سيحصده كل المجتمع.
 
هناك واقع حقيقي نحتاج للاعتراف به بعد إدراكه، لا مجرد الاعتراف به وترديده، بل محاولة التخطيط والتنفيذ لمجموعة إجراءات تغيير هذا الواقع إن كان سلبيًا، وتعزيزه إن كان إيجابيًا. واقع أننا صرنا خاضعين جدًا للثقافة الغربية، بما تحمله من تمركز شديد حول الذات، إذ يقال إن إحدى نتائج النهضة الأوروبية تحويل مركز الكون من الله إلى الإنسان (الفرد)، وقد نتج عن هذا التحول أن نشأت مذاهب تؤكد على إبراز كيان الفرد حتى جعلته مقدسًا (المذهب الفردي)، يحرم على المجتمع المساس بحريته، أو التدخل في تحديد صوابية أو خطأ أفعاله. وقد ساهم كارل روجرز عالم النفس الأمريكي في سحب هذا المذهب لميدان علم النفس والتربية مناديًا بوجوب إتاحة الفرصة للأفراد للعيش في عالم متحرر من ضغوط المجتمع، وليختاروا القيم التي تنبع من داخلهم، فهو يود تحرير الأفراد من القيود المدمِّرة – كما يسميها – التي يفرضها المجتمع عليهم.
 
إن غايتي من التحول من الحديث عن مؤسسة الزواج للمذهب الفردي الذي أفرزته النهضة الأوروبية بعيدًا عن أسباب ظهوره هو اعتقادي بكوننا مجتمع تأثر كثيرًا - كما أسلفت-  بما يدعو له الغرب. فتأثرت الكثير من سلوكياتنا، وتبدلت الكثير من آرائنا، ونسينا هويتنا الدينية والثقافية والتي تدعو لمراعاة مصلحة الفرد، لكن ليس على حساب الجماعة وبناء المجتمع. فالزواج كيان اجتماعي للرجل والمرأة فيه حقوق وواجبات، حق لمؤسسي هذا الكيان هما الزوج والزوجة، وحق للمجتمع الذي ينتمي له هذا الكيان. أكثر من ذلك وقبل أن تتأسس مؤسسة الزواج، فإن هناك مسؤولية اجتماعية تجاه تأسيسه. فمن حق الشباب على المجتمع أن يراعي ظروفهم فيعينهم على أعباء هذه المؤسسة ليس على المستوى المادي فحسب، بل على المستوى الصحي والاجتماعي والثقافي والديني. ألا يتوجب على المجتمع إعداد أبنائه بالشكل الصحيح ثقافيًا وأخلاقيًا ليؤسسوا أسرة مستقرة صحية؟
من هو هذا المجتمع المسؤول عن صحة تأسيس كيان الاسرة؟ إنها أسرتي وأسرتك، ابني وابنك. نعيش اليوم تحديًا حقيقيًا في إنجاح مؤسسة الزواج أمام تهدم العديد من الزيجات الناتج في كثير من الأحيان عن النظرة الأنانية للزوج والزوجة تجاه هذه المؤسسة، بل النظرة الأنانية للأفراد والجماعات والمجتمع لذات المؤسسة.
 
 
17 يناير 2016

No comments:

Post a Comment