Friday, January 23, 2015

تسعُ سنوات بطالة // إيمان الحبيشي

 
 
منذ نعومة أظفاري، وأنا أسمع عن بطالة أبناء وطني، بل وصعوبة التحاقهم بالتعليم الجامعي، وشاء الله أن أصل للمرحلة الجامعية مع الإنفراجة الألفية، لألتحق مع عدد كبير من أبناء جيلي بالتعليم الجامعي، ظننت وظنوا أننا سنشهد واقعًا مختلفًا، فاجتهدنا في دراستنا وحلمنا أن نكون نحن، القوة البشرية التي ستنهض على أكتافها الأرض والإنسانية في مجتمعنا. لكن ما حصل أننا صرنا الجيل الذي اغتليت أحلامه بشكل أبشع وأقوى، فمن جبل توقعات عالية وقعنا لواد ظلم سحيق، ليس على المستوى العملي فحسب، بل على مختلف المستويات التي نقلتنا من الإنفراجة في بداية الألفية إلى ثورة اللؤلؤ بعد نحو عقد من الزمان!
 
تعتبر البطالة حالة طبيعية في كل المجتمعات، ويسمى المبتلى بها (عاطلًا)، تعرفه منظمة العمل الدولية كما يلي:
"العاطل عن العمــل هو ذلك الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل وهو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده".
أقول إن وجود البطالة في أي مجتمع أمر طبيعي، ذلك أن عملية إمداد سوق العمل بالأيدي العاملة يحتاج لبعض الوقت، كما إن تنقل الأيدي العاملة من مؤسسة لأخرى، وعملية فتح وإغلاق مؤسسات عمل، تؤدي بطبيعة الحال لنسب بطالة. لكن الغريب أن تكون نسبة البطالة في ارتفاع، ويعانيها أصحاب المؤهلات والكفاءات، في مجتمع يعيش طفرات اقتصادية وعمرانية كما عاش مجتمعنا. تلك جنبة نعرف جميعا أسبابها وهو حديث ذو شجون، السؤال الذي أود طرحه هو: كيف يستثمر مجتمع كمجتمعنا قوة بشرية فتية هي فئة العاطلين عن عمل؟ وكيف يستنقذهم من براثن الإحباط واليأس لينقلهم لمتعة الإنجاز والعطاء؟
 
ربما أخطأنا ونخطئ حين نقرر خوض غمار مجال علمي من أجل وظيفة محددة، فأجتهد للحصول على شهادة بكالوريوس التربية الرياضية لأكون معلمًا، وحين تلفظني وزارة التربية أكون إنسان ليس ذو جدوى، أو أقبل بعمل يمكنني من تحصيل لقمة عيشي فحسب، فأخسر إبداعاتي ويخسر المجتمع كفاءتي. ومع هاتين الخسارتين يفقد الإنسان الكثير من الحماس والقدرة على العطاء في مرحلة العمر التي يفترض أن تكون هي المرحلة الأكثر لمعانًا والأحلى رونقًا والأشد عطاءً، فهل يمتلك مجتمعنا مقومات تعينه على استثمار قدرات شبابه؟ كأن تستنقذ مؤسسات المجتمع المدني الاجتماعية والاقتصادية الربحية والغير ربحية علم هذا الشاب فتوظفه لتشغيل ناد رياضي يعنى بجانب اللياقة والترفيه للأيتام مثلًا مقابل مبالغ رمزية تؤمنها أسر هؤلاء الأيتام أو المؤسسات الداعمة لهم؟ فنضرب عدة عصافير بحجر واحد:
١/ نؤمن حياة كريمة لإنسان عبر فتح مصدر رزق له فاتحين المجال له ليبدع في مجال عمله.
٢/ نمارس عملية تثقيف صحية تعتمد على الاهتمام بالجانب الرياضي المهمل في مجتمعنا.
٣/ تحقيق علاقات اجتماعية داخلية صحية.
٤/ بالتأكيد فإن فتح ناد صحي مثلًا أو حلقات تُعنى بالجانب الرياضي سيفتح الأبواب للحاجة لأيدي عاملة تضاف للمستهدف الأول فنكون قد أمنَّا مصدر رزق لعدد آخر من أبناء المجتمع.
٥/ لبعض الفئات الاجتماعية كالفئة المذكورة في المثال حق اجتماعي يتحقق جزء منه عبر الاهتمام بجانب اللياقة البدنية مُشرِّعًا الأبواب للاهتمام بجوانب أخرى كالصحة النفسية والأسرية والاجتماعية ومُشرِّعًا الأبواب أمام مشاريع أخرى ترفع من الحالة الثقافية والاقتصادية للمجتمع.
٦/ لا يخفى على أحد مدى العطاء الذي قد يحققه أفراد مجتمع يشعرون إن مجتمعهم دائمًا ما يمد العون لهم ويحيط بهم ويدعمهم.
٧/ فتح أبواب هذه المشاريع لاستقطاب القادرين والراغبين في العمل التطوعي وهو ما قد يكون مكانًا لمعرفة حاجات المجتمع الحقيقية توفر لأفراده معرفة دقيقة بالعلم الذي يجب أن يتخصصوا فيه ويتزودوا به من أجل المساهمة الفعالة في تقدم المجتمع.
 
ما ذكرته أعلاه مجرد مثال للتخلص من حالة تتربص بنا نحن الشباب الذين لم نشعر يومًا بأننا فئة تلقى الاهتمام من المجتمع فانزوى كثيرٌ منا في حياته الخاصة منعزلًا عن حاجة المجتمع إليه رجلًا كان أو امرأة.
كما فعلت تسع سنوات عجاف قضيتها وآخرون من أبناء جيلي ونحن نبحث عن فرص لتحقيق ذواتنا وتفريغ قدراتنا، فنجح بعضنا وانغلق بعضنا وفقد كثير منا قدرته على العطاء حتى صار جاهلًا بأنه يمتلك هذه القدرة أصلًا!
 
ليست الطامة في أن مجتمعنا وعبر مؤسساته المدنية لم يمدد يد العون لنا نحن الشباب ليعيننا ونعينه على التقدم، بل الطامة الكبرى كانت في أن هذه المؤسسات أصلًا ساهمت في إضعاف وتنحية إبداعاتنا عبر عوامل فساد وجدتُها واضحة في مختلف المؤسسات، أذكر منها على سبيل المثال:
١/ توظيف الكفاءات لا على حسب المؤهلات واجتياز الاختبارات بل وفق مبدأ مقيت هو المحسوبيات.
٢/ وجود نسبة بطالة مقنعة تنهش في إمكانيات تلك المؤسسات لتحولها من مؤسسات منتجة لمؤسسات عاجزة نتيجة عدم الجرأة في التخلص أو تأهيل تلك الشريحة التي تعمل ولا تعمل ضمن هذه المؤسسات.
٣/ تشبث إدارات بعض هذه المؤسسات بمنصبها وصلاحياتها حتى بعد أن بلغ بها الكبر عتيًا مما يؤدي لتقليص صلاحيات ومجالات إبداع الدماء الجديدة التي التحقت أو يجب أن تلتحق بهذه المؤسسات.
 
أقول إننا مجتمع يوجد بين ظهرانينا فئات محرومة من القدرة على الإبداع لأسباب طائفية وسياسية، فئات تحتاج للاحتضان ويجب أن تحتضن لا لأسباب اجتماعية ودينية وإن كانت هذه الأسباب جديرة بالأخذ بالاعتبار لكن لا بد أن تحتضن لأن المجتمع يحتاجها أكثر من أي شئ آخر.
 
 
24 يناير 2015

No comments:

Post a Comment