Friday, January 23, 2015

المسافة بين الخلاف والاختلاف // محمد يوسف العرادي

 
 
هناك فرقٌ بين أن تكون مختلف وبين أن تكون مخالف، فالأولى تعني حسب معاجم اللغة تضارب في الرأي، انعدام الاتفاق، بينما جاء معنى الخلاف بمعنى النزاع والخصومة، وخالفه في الرأي عاكسه أي أتى برأي معاكس لرأيه، عارضه. هناك الكثير من التقابل والتضاد بين الكلمتين. ليس الاختلاف والخلاف وليد اللحظة فقد شهد التاريخ أبشع صور الخلاف عندما أقدم قابيل بقتل أخيه هابيل، ليكون شاهد على العصور وليحكي دموية بشعة من صور الخلاف والنزاع، قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ • لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ • إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ • فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

لماذا يتحول الاختلاف إلى خلاف ونزاع ؟
لماذا يجنح أحد أطراف الحوار لاستخدام العنف باللسان واليد؟ هل من ضعف في الثقافة أم وهن في الدين؟ أسئلة كثيرة تقفز للأذهان لتبحث عن أسئلة تفسيرية عن سبب هذا الخلاف والنزاع.

إن البحث عن أسباب هذه الظاهرة يحتاج لنظرة تحليلية عميقة تتلمس المشكلة بلمسات سيكولوجية.. في الحقيقة لو تتبعنا أكثر النقاشات التي مآلها النزاع سنجدها نزاعات لا تقوم على الدليل والبرهان فمعظمها وجهات نظر شخصية ينتصر لها كل طرف على الطرف الآخر خدمة لإيديولوجيته التي تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، ولكنها تتحول وقت النقاش  لنواميس لا تقبل الخطأ. وعندما يطرح الطرف الآخر ما يدحض هذا الرأي يكون قد اخترق الخطوط الحمراء فيتحول الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية إلى خلاف دموي أبسطه التقاذف بالشتائم أو ربما الأحذية أو الطاولات كما نشاهد في بعض البرامج التلفزيونية العقيمة.

ومن جانب آخر يتعلق بالاعتقادات والأيديولوجيات فهناك من يستميت في الدفاع عن أفكار الجماعة، فهو الحارس لتلك الأفكار حتى لو كانت أفكار مغلوطة، كحارس مستودع ذخيرة صُنع لدمار البشرية، وهي نفس فكرة غوستاف لبون في كتابه (سيكولوجيا الجماهير) عندما جعل الإنسان مسلوب الإرادة والخصوصية الفكرية بمجرد انخراطه في الجماعة فإنه يسلمها عقله. وبغض النظر عن صدق هذه الفكرة من عدمها فهي تحمل جانب من الصواب، فهناك مَن يُحارب الآخرين لأنه عُبّأ تعبئة محكمة ضد أفكار الطرف الآخر، فلا يحمل الأفكار المنطقية وإنما يحمل أسلحة التسقيط والإخراج من الملة.

هل الاختلاف مذموم أم أنه من سَنَن الكون؟ ماذا لو كان كل الناس متوافقين في الآراء والمواقف؟ النتيجة لن يكون هناك ثواب ولا عقاب، إذًا بالتالي ستسود العبثية فلا جنة ولا نار، يقول تعالى في سورة هود (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ • إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

لماذا لا يلتزم كل طرف بآداب الاختلاف؟ لماذا لا يكون هناك التزام بقاعدة كلامك صحيح يحتمل الخطأ، وكلامي خطأ يحتمل الصواب؟ لماذا نستهزأ بأفكار الآخرين بحجة أنه غرد خارج سرب الجماعة وشذ عن المتعارف عليه؟ لماذا لا ننظر إلى ما قال ونشغل أنفسنا بشخص مَن قال؟ لا يعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. إن مصادرة آراء الغير من غير دليل عقلي ونقلي يعتبر إرهاب فكري، ولا إرهاب في الإسلام. لماذا عندما يطرح العالم أفكاره يعتبره من المسلمات وأفكار غيره شواذ وتطرف؟ نحن بحاجة لمراجعة أسلوب طرحنا للأفكار قبل مناقشة صحتها، فالكلمة الطيبة صدقة.


25 يناير 2015

No comments:

Post a Comment