Friday, January 9, 2015

إنّنا بشرٌ.. ولسنا آلات // محمود سهلان

 
 
في العلاقات بين إنسانٍ وآخر، بل بين الإنسان والمخلوقات الأخرى، وُضعت العديدُ من القوانين، بعضها ربَّاني على هيئة الأحكام الشّرعية، وبعضها من وضع الإنسان، كالقوانين التي تنظِّم العلاقة بين العامل ومسؤوله، فما هو المطلوب من كلِّ هذه القوانين؟ وهل هي تنظيمٌ أم تقييدٌ للحريات بلا مسوغ؟
 
الحديث سيتناول جانبَ الأحكام الشّرعية أكثر، حتى لو عمَّمتُ في بعض المفردات، فإنّها هي الثابتة، وهي التي لا يشوبها شائبة، بحسبِ ما تمكَّنَّا من الوصول إليه كبشر.
 
يُشكِلُ البعض على بعض الأحكام الشّرعية، ففي أحكام الإماء والعبيد مثلًا، يطرح البعض إشكالًا مفاده أنَّ الإسلام يُرسِّخ العبودية، وتملُّك الإنسان لغيره، بينما الجواب على هذا الإشكال لا يحتاج لتفكُّرٍ وتأمُّلٍ زائدين، فأقول: الإسلام دينٌ واقعي، ولمَّا كانت العبوديةُ موجودةً في المجتمع، فلا بدَّ من سنِّ القوانين لتنظيمها، لا لترسيخها وزرعها بالمجتمع، فلا يُترك الناس سدى، يفعلون ما يشاؤون، فهذه الأحكام تنظيمية تحاكي الواقع، فلا هي ترسيخٌ للعبودية، ولا هي إطلاقٌ لحرية أحد على غيره.
 
لذلك أقول أنَّ الشارعَ المقدس سنَّ هذه الأحكام والقوانين من أجل تنظيم العلاقات بين الناس، فمهما اختلفت قيمة الفرد، ومنصبه، وموقعه، ونسبه، فهناك أحكامٌ تحكمه، تحدِّد حقوقه وواجباته، فلا يطغى على غيره، ولا يُظلم من غيره، فيما لو التزمنا بهذه الأحكام طبعًا.
 
هذه الأحكام هل يلزم أنْ نتقيَّد بها بنسبة المئة بالمئة، أم عندما تمسّ الحاجة إليها؟
 
في العلاقات بين الزوجين هناك الكثيرُ من الأحكام الشّرعية، لكنّ مقدار التقيّد بالأحكام والقوانين بين زوجين وآخرين يتفاوت، ولو بنسبٍ بسيطة، فقد يكون الالتزام ضعيفًا جدًا فيظلمُ أحد الطرفين شريكه، وقد يكون مبالغًا فيه لحدِّ فقدان روح العلاقة، فيتحول الطّرفان لما يشبه الآلات المبرمجة التي لا روحَ فيها. وفي حالة أخرى قد يلتزم أو يقترب الطّرفان من الاعتدال، فلا إفراطَ ولا تفريط، فلا تفقدُ العلاقة روحها، ولا يُظلم أحد الطرفين أو كليهما.
 
قد يستغرب البعض أنّ الالتزامَ الشديدَ بالأحكام والقوانين قد يكون مضرًا بالعلاقة، ولتوضيح ذلك أعطِ مثالًا:
 
لو كانت إحدى الزّوجات تطلب مقابلًا مادّيًا على كل ما تقوم به، على طهو الطّعام، ورضاعة الأطفال وتربيتهم، وتنظيف المنزل، وكلِّ شيء، ماذا سيكون حالُ العلاقة؟
شخصيًا أتوقّع أن تكون العلاقة باردةً جدًا، لا روحَ فيها، وقد تزداد فتورًا يومًا بعد يوم، فلا حبَّ ولا أيّ عاطفة بين الزوجين حينها.
 
الأشدّ ممّا سبق ذكره، هو ما لو اشترط أحد الشّريكين شروطًا مبالغًا فيها، إمّا قبل عقد النكاح كما يحدث واقعًا بشكلٍ مبالغٍ فيه، أو حتّى بعده، وهي بلا شك تترك أثرها إنْ لم يكنْ عاجلًا فيكون آجلًا.
 
ما أذهب إليه أنَّ الأحكام الشّرعية والقوانين نعود لها بقدر ما نحتاج إليها، وإلا فإنّ هناك ما هو أسمى من ذلك، فأنا أراها وُضعت لتنظيم حياة الإنسان وعلاقاته مع الجميع، فهي تنظم علاقته بربه، وعلاقته ببني جنسه، بل وعلاقته مع كلِّ المخلوقات.
 
ما دفعني لكتابةِ هذا المقال اعتقادي أنَّ زيادة الشّروط والقيود والقوانين، والتّشدد في الالتزام بها، يترك آثارًا سلبية، بالأخصِّ بين الأزواج، وعلى العكس من ذلك، فإنّ قيمًا أخرى كالحبِّ والمداراة والتّعاون من شأنها أن ترتقي بأيّ علاقة على وجه هذه البسيطة.
 
إذن فلنجعل كلَّ شيء في موضعه، دونَ إفراطٍ ولا تفريط، فكما نحن نملك عقولًا، فبمحاذاتها نملك مشاعرَ وأحاسيس..
 
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: ٢١].
 
 
١٦ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment