Friday, January 23, 2015

علمٌ بلا استثمار // أبو مقداد

 
 
تمتلئ الدنيا بالعلوم والمعلومات، بحيثُ لو أننا تعلمنا في كل يومٍ كمًّا هائلًا منها، لما نفذت، وما عجزَ نبعُ العلمٍ من تزويدنا منها، و نبقى لم نؤتَ من العلمِ إلا قليلً.. فمِن أول لحظةٍ نولدُ فيها يبدأُ أول يومٍ دراسيٍّ لنا في هذه الدنيا، حتى تبلغ النفس الحلقوم، فإن باب العلم والتعلمِ مفتوحٌ لنا. لكن هذا العلمَ بحرٌ رهوٌ خلف دفائن عقولنا، ونحن نحتاجُ لاستثارته إمّا بواسطِ معلمٍ خارجي، كالكتاب أو الإنسان أو أي طارئ في الحياة، أو بواسطة التعلم الذاتي، كالتفكير والتأمل والتحليل، وووو،،

بديهيًّا لا يمكن التعايش في هذه الحياة من دون أن تتعلم منها، حتى الطفل والمجنون لا بد أن يتعلم ولو بدرجةٍ دنيا كي يتمكن من استمرار حياته حتى يموت. والأعمى مثلًا، لا بد أن يعرف طريقةٍ  تمكنه من معرفة الأشياء عوضًا عن عينه، وإلا فإنه سيظلُّ عاجزًا عن كل شيء يحتاج لعينيه فيه.

نقضي السنين الأولى من حياتنا والتعليم يتركز عندنا في تعلم الفطريات والبديهيات والعادات وما نرثه من بيئتنا الصغيرة في المنزل، كاللغة وطريقة الأكل، وبعض السلوكيات، ومن ثم ننتقلُ للدراسة العلمية، بدءًا إمَّا من رياض الأطفال أو من المدارس، نتعلم فيها الأساسيات العلمية، ثم بتقدم المراحل ندخل في التفاصيل، حتى نتخرجَ من المدارس ونحصل على شهادتنا العلمية الأولى.. ولا نلبث أن نختار لنا تخصصًا للدراسة الأكاديمية، ونحصل من خلالهِ على الشهادة الثانية، التي ستؤهلنا لدخول معترك سوق العمل بواسطتها.. ونبدأ في وظيفةٍ لن نستخدم فيها ٩٠٪ مما درسناه في ١٦ سنة دراسية تقريبًا، فلماذا ندرس؟ أيضًا ومع مشكلة البطالة المتفشية في واقع بلادنا، فإن طوابير العاطلين تكاد تنفجر من الاكتظاظ، وكثيرون ممن توظفوا، يعملون بتخصصاتٍ لا تمتُّ لتخصصاتهم بصلة، فالمهندس قد يعمل سائق حافلة، والمحاسب قد يعمل نادلًا في مطعم، والمدرس قد يعمل موظف استقبال في شركة، وهكذا. فإن كان هذا أحد المصيرين الرائجين في واقعنا، فلماذا ندرس؟! وربما هناك مقدماتٌ أكثر، ستدفعنا لذات السؤال الإستنكاري،، لماذا ندرس؟

أتصور أن الإجابة على هذا السؤال تحتاجُ أن نعود بها للمرحلة الدراسية، بين البيت والمدرسة، أكثر ما نسمعه للتحريض على الدراسةِ (إدرس علشان تنجح) أو (شوف فلان الي مادرس شنو شغلته، تبي تصير مثله)، وحين نصل للمرحلة الجامعية، نجد أنفسنا بلا مقدمات في صراعٍ بين مجموعة تخصصات، لا نعرف ما ذا سنحتار منها، وعلى أي أساس، ولماذا، وكيف وووو.. وأي تخصصٍ  سنختارهُ سنقف معه وقفة تفكير وسؤال عن مدى حاجة سوق العمل لهذا التخصص، وهل سيمكننا من العمل من خلاله بمركزٍ قويٍّ كما نطمح أم لا؟! وقد نختارهُ وإن لم يوافق ميولنا وقدراتنا وإمكانياتنا، فقط لأنهُ تخصصٌ قويٌ في سوقِ العمل!!

هنا أتصورُ مشكلةً ثقافيةً، لا أعلمُ إن كنا ابتكرناها، أم دُبِّرَ لها أن تنتشرَ بيننا، وربما كنت أميلُ للخيار الثاني، ولكن على أية حال، فهي ظاهرةٌ منتشرةٌ أننا ندرسُ لننجح في دراستنا بأي وسيلةٍ ممكنةٍ، كي نتوظفُ كما يريحنا، متجاهلين بشكلٍ كبيرٍ قيمة العلم الذي نحتاجه، والذي يمنحنا من قيمته، مركزين بشدةٍ على المسمى الذي ستمنحنا إياه الشهادة، من قبيل دكتور فلان، والمهندس فلتان، ولا يهم إن تم شراء هذه الشهادة أم غشَّها أم ماذا!!

قد توفرُ لنا الشهادة الوظيفة المريحة، والحالة المادية الجيدة، والمكانة الاجتماعية المرموقة، ولكنها لن تنقذنا من سطوة الجهل، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!

نعم، من حق وطموح الإنسان أن يكون له عمله المريح، وأن تكون حالته المادية ميسورة، وأن تكون له وجاهة في مجتمعه، ولكن إن كان هذا الإنسان جاهلًا، فقد يخسر كل شيءٍ يومًا ما، فالإنسانُ الجاهل كائنٌ حيٌ بلا قيمة!!

لذلك ينبغي علينا أن نعرفَ قيمة العلم الذي نكتسبهُ من الدراسة، سواء الأكاديمية أو غيرها، وأن نكونَ طلبة علمٍ جادِّين ومثابرين، لا أن نكون ساعين خلف شهادةٍ ومنصب، فالعلم غايةٌ نصلُ لها، لا وسيلةٌ تُحسنُ وضعنا المعيشي فحسب!

الحديثُ هنا بهدفِ تخريجِ مجتمعٍ متعلمٍ قادرٍ على أن يشكل لنفسه القوة الذاتية والمكانة المُعتبرة، ويساهم في رقي نفسهِ بنفسه فضلًا عن إمكانية أن ينطلق المجتمع لإيجاد فرص عملٍ خاصة بأبنائهِ من خلال تعليم نفسه، ولذلك نلاحظُ أن سياسة التجهيل هي من الأساليب التي نُحارَبُ بها باستمرار!

يهمهم جدًّا أن نكون مجتمعًا جاهلًا، فهل يهمنا أن نكون متعلمين، لا حملة شهادات فقط؟!
أتحدث عن أهمية العلمِ والتعلم، وإمكانية تحويله لقوةٍ جبارةٍ تنهض بنا لتحقيق حلم قد لا نتوقع تحقيقه، هذا لأنه لو احتوى المجتمع المختصين في مجالٍ ما، فبإمكان هؤلاء إن اتحدوا بالشعور بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض، ووظفوا تخصصاتهم واستثمروها، أن تُحلَّ من خلالهم مشاكل عديدة في نفس المجال.

أيضًا، فمن حق هذا العلم علينا أن لا يُختَزل في وظيفةٍ إن وجدت ملَكَته، وإن لم توجَد سيبقى هذا المخزون العلمي يتآكل في العقل حتى ينتهي، فالمجتمع مليءٌ بما يمكن العمل عليه بتوظيف أي تخصص فيه، ونحن حين نمتلك العلم نكون قد امتلكنا مقومات العمل والإنجاز ويبقى علينا أن نكتشف طريق تحويل هذه المقومات لمشاريع على أرض الواقع.

لنكن الأمة التي علمت،، فعملت،، فأنجزَت،، فارتقت.


24 يناير 2014

1 comment: