Friday, January 16, 2015

خواطر مع زيارة عاشوراء // أم حسين

 

كربلاءُ بقعةٌ من هذه الأرض الواسعة، اختارها الله لتدور عليها معركةٌ بين أشرف الناس منزلةً وبين أحطِّهم قدرًا، فكانت واقعة الطفِّ نموذجًا للصراع الممتد منذ الخلقة بين الحق والباطل..
 
مثَّلت كربلاءُ الحياةَ، فوجِد الحقُّ عليها بالحسين، ووجد الباطلُ بيزيد.
 
حملتْ الواقعةُ أبعادًا كثيرة، اجتماعية وسياسية وعقائدية وأخلاقية، ولكنَّ البعد الإنساني جاء فيها سيِّدًا، ولذلك  نجد التفاعل العميق لكلِّ مَنْ تمرُّ به أحداثُها فتحصره بين أن يكون إنسانًا فيتفاعل قلبه معها، أو أيَّ صنفٍ أخر خارج نطاق الإنسانية، ولا نقول ذلك جزافًا، وإلا فالحقيقة أنَّ كلَّ هذا الوجود بكى الطفَّ بكُلِّ ما فيها.
 
زخر الثقل الثاني من الدين بما يؤكد الأبعاد السابقة الذكر، وجاء تأكيد أهل البيت على أهميَّة قراءة زيارة عاشوراء، وذلك لما تحمله من أبعاد لها عظيم الأثر على النفس، حتى حثَّ السالكون والعارفون على الإكثار من قراءتها.
 
حاولتُ جاهِدةً أن أشرح زيارة عاشوراء بمنهجية البحث العلمي، فوجدتُّها وقد رُسِمت بتنظيم معين وحدود دقيقة، وكل كلمة منها تحتاج إلى دراسة خاصة لنفهم عمقها وحدودها.

كما وإنَّ روحي أبت إلا أن تكون للحسين، ترفرف  لتحتضن كلمات الزيارة كلَّما قرأتها.. لتكن
 
كانت لي معها خواطر أحكيها لكم..
 
(اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ (السَّلامُ عَلَيكَ يا خِيَرَةِ اللهِ وابْنَ خَيرَتِهِ) اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ).
 
لطالما تسائلت..
ترى.. من لا يعرف نسبَ الحسين، وإلى أيِّ بيت ينتمي؟
لماذا بدأ الإمام الباقر (عليه السلام) الزيارة مُعَرِّفًا بالحسين (عليه السلام)؟
ومن ذا الذي يجهل إنَّه سبط الرسول، وثمرة فؤاد البتول، وعلي وصي الرسول؟
 
أحاول أن أفهم إلى أين يريد الإمام الوصول..
فأعود لكربلاء..
إنَّه ظهر العاشِرِ من المحرم..
ومن هوان الدنيا على الله، أن يرتقي شمرُ مرتقى عظيمًا ويرتكب خطبًا جسيمًا.. لقد اعتلى صدرًا حمل علوم الأوليين والأخرين.. 
صدرًا لطالما قَبَّله خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)..
 
سأله الحسينُ (عليه السلام) مشفقًا عليه:
أتقتلني؟
أولا تعلم من أنا!؟
 
ظلم شمرُ نفسه فقال:
أعرفك حقَّ المعرفة..
أمُّك فاطمة الزهراء، وأبوك علي المرتضى، وجدُّك محمَّد المصطفى..
وخصمك العلي الأعلى.. أقتُلك ولا أبالي!
 
الإمامُ (عليه السلام) على علم بأنَّ الشمر يعرف نسبه، ولكنَّه كان يبحث عن حجَّة أقوى لانتماء أعمق ظنَّ أنَّه قد يجده بين طيَّات قلب بن ذي الجوشن..
أوكان يمتلك قلبًا!!؟
 
يبحث عن معرفة انتمائه لمشروع إصلاحي حملته هذه الأسماء، وورثه هو مع ما يعانيه من آلام وأوجاع، أملًا في أن يُطبِّبَ تلك الجراح، فكان الجرح الغائر فيه.
 
كانت كلمات شمر سهمًا آخر أصاب قلب الحسين أسفًا على إنسان يلقي الحجة على نفسه بأنه ضل الطريق!
 
(وخصمك العلي الأعلى، أقتلك ولا أبالي)
 
إنَّه يعي بأنَّ الصراع بين الحق والباطل، إلَّا إنَّ موازينه باطلة، فالصراع الذي يكون الله فيه خصم لمن كان على باطل، فحتمًا من هو على حقٍّ يكون امتداد لله سبحانه وتعالى.
فيكون الداعي لله وثأره على الله ويخلده التاريخ، فما كان لله ينمو ويتصل، وما كان لغير الله ينقطع ويضمحل.
 
وأعود لكلمات الزيارة ليؤكد الإمام الباقر ذلك ويقول:
(اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِه).
 
فانتماء الإمام الحسين جمع تلك الانتماءات السابقة من رسل وأنبياء، فقتلوا معه جميعًا، والسهم المغروز في قلبه أصاب الرسالات السماوية على مرِّ التاريخ فكان عميقًا غائرًا.
 
 
17 يناير 2016

No comments:

Post a Comment