Friday, May 9, 2014

عطني واعطيك

اتصل بي أحد الإخوة من الأحساء قبل شهرين يسألني إن كنتُ أعرف أحداً في إحدى الولايات إذ لديه أحد معارفه قادم للدراسة فيها.. قلت له أعرف بعض الأصدقاء القدامى، أمهلني بعض الوقت لأكتشف الوضع.. اتصلت بأحدهم وهو لبناني عرفته من قبل عشرين سنة، ولم يكن هناك تواصل بيننا إذ أبعدتنا مشاغل الحياة.. بعد السلام والإطمئنان، سألته إن كان بمقدوره أن يستقبل أحد الشبان القادمين للدراسة ويساعده في إيجاد فندق سكن وتعريفه على الجامعة.. لم يقبل اللبناني إلا أن يحل ضيفاً عليه في بيته ويقوم بخدمته حتى يتمكن من إيجاد سكن مستقل له.. شعرت وأنا أتكلم مع اللبناني بأن قلبه طار فرحاً باستقبال شاب صغير لا يعرف عنه شيئاً.. كان سعيداً جداً لأنه يقدم خدمة إنسانية له أملاً في الثواب والعطاء من الله سبحانه وتعالى.. وقد قام فعلاً باستضافته أسبوعين في بيته حتى تمت إجراءات قبوله في السكن الجامعي.. وبحسب معرفتي بالأخ اللبناني فإنه صاحب نية صافية وقلب أبيض.. لم تغيره السنون، ولا يزال يحمل تلك الصفات الحميدة وعلى رأسها خدمة الناس..

هناك الكثير من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في الغربة ممن يحملون تلك الأخلاق.. تشعر بأنهم يمتلكون طاقة كبيرة من حب الناس، فلا يتوانون عن تقديم الخدمة لغيرهم على حساب راحتهم.. والمواقف معهم كثيرة لا أستطيع حصرها.. الجميل في أمرهم هو نظرتهم الرائعة لما يقومون به.. فحقيقة مشاعرهم تكشف أنهم يسعدون عندما يقوموا بخدمة الآخرين وتقديم العون والمساعدة لهم.. ولا يقتصر ذلك فقط على مَن يعرفونه، بل هو سلوك عام لديهم.. هذه الروحية الإيجابية الكبيرة التي يحملونها تحول تعبهم ومعاناتهم ومشقتهم إلى سعادة قلبية واطمئنان نفسي..

في عصرنا الحالي طغت الحياة المادية بشكل فاحش على معاملاتنا مع الآخرين.. فإذا لم تكن هناك مصلحة متبادلة ففي الغالب لا يتم تقديم مساعدة الآخرين، بل يتم خلق تبريرات معينة ربما تساهم في إقناع أنفسنا بصحة ما نقوم به: ليش أساعده وأنا ما أعرفه.. يحلم أساعده ما شفت منه شي.. لا يوجد لدي وقت.. مو متفرغ.. مشغول.. جه أنا مسؤول عنه.. ما منه فايدة.. أزوره وما يزورني.. هديته وما هداني… هذه نماذج من الأعذار التي نضعها عندما تلوح في الأفق مساعدة الآخرين.. 

أتصور أن من لا يمتلك هذه التربية الأخلاقية الطيبة من الإهتمام بالآخرين يستطيع أن يعود نفسه عليها بعد أن يشغل عقله في الأمور التالية:

1. معاملة الآخرين بالحسنى ليست تعامل معهم فقط، بل تعامل مباشر مع الله سبحانه وتعالى.. فعندما أقدم خدمتي لعباده فلا يدخل في قلبي أدنى شك بأن مردود ذلك بأضعاف التوفيقات من الله سبحانه وتعالى ناهيك عن الحسنات والأجر والثواب.. فنحن لسنا أكرم من الله سبحانه وتعالى.. وما نقوم به من خدمات بسيطة يعوضها الله بتيسير أمورنا في حياتنا الدنيا ويفتح لنا أبواب الرزق والسعة.. قال سبحانه في كتابه المجيد “مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ “ سورة الحديد - آية 11.

2. فطرة الإنسان جبلت على حب الخير، ومن طبيعتها أن تقوم بالأفعال الحسنة ومن ضمنها خدمة الناس.. فالنفس التي تتعوّد على مساعدة الآخرين يتملكها شعور بالراحة.. بينما تلك التي تعوّدت على الأنانية، فحتى وهي في قمة أنانيتها تستشعر القلق.. ولذلك تختلق التبريرات الآنف ذكرها.. وكم نحن بحاجة إلى الطمأنينة وإزالة القلق ونحن نعيش تحت وطأة الضغوطات الحياتية ليلاً ونهاراً.

3. كما أن الآخرين يحتاجون إلى المساعدة، فإننا ولابد أن تمر علينا ظروف قد نحتاج فيه إلى مساعدة الآخرين..  

وهناك الكثير من الأمور التي لو أحسنّا التفكير بها لخرجنا بنتيجة مفادها أن خدمة الناس في صالحنا بغض النظر عن الأشخاص الذين نقدم لهم يد العون والمساعدة..

تخيل معي أيها القارئ كيف يصير حال المجتمع إذا سادت فيه هذه الظاهرة.. ظاهرة حب الناس.. وضمرت بيننا ظاهرة عطني واعطيك؟!

ز.كاظم
9 مايو 2014

No comments:

Post a Comment