Friday, May 16, 2014

شايفني هندي

تتقدم الهند دولنا بأشواط كبيرة وخطوات واسعة وتعد اليوم من الدول المصدرة للعقول الذكية، ناهيك عن حضارتها الضاربة في عمق التاريخ، ولا ننسى أنها من أقدم الديموقراطيات الحقيقية، ومع ذلك مازال بعضنا يتبجح بجمل استعلائية مثل:

"شايفني هندي!!؟"

الشيء الوحيد الذي قد يشفع لنا هو أن العنصرية اللغوية والنظرة الدونية ظاهرة عالمية لا يسلم منها أي مجتمع، فالهنود أنفسهم يصفون البنغالية "بالغباء"، والسريلانكيين "بالطيش"، والباكستانيين "بالحقد". أما الإنجليز فيصفون الأسكتلنديين "بالبخل"، والبولنديين "بالحمق"، والفرنسيين "بالعربدة".. ومن جهتهم يصف الفرنسيون الطبخ الرديء "بالطبخ الانجليزي".

أما الألمان فيصفون الشجاعة الزائفة "بالشجاعة الهولندية"، ورفع الصوت "بالرجولة الإيطالية"، وحب المال "بالأخلاق السويسرية". وبوجه عام يصف الأوربيون الإنسان القذر "بالعربي"، والمرابي "باليهودي"، والهمجي "بالروسي"، والأحمق "بالإفريقي"..!

وحين نتعمق في المسألة أكثر نلاحظ وجود مثل هذه الألفاظ والنعوت (حتى) داخل المجتمع الواحد فنحن مثلا (حين لا نشتم اليهود أو الهنود) نتحول إلى بدائل مناطقية!!

هذه الجولة "العالمية" تثبت أن الإنسان متطبع بالعنصرية وعادة اللمز ورذيلة الغرور، وهو في داخله ميال للتقسيم وخلق التباين مع الآخرين وحصر نفسه ضمن جماعة تميزه.. أما الجماعة نفسها فتسعى باستمرار لتعزيز الفوارق - مهما كانت تافهة -  لمجرد تمييز نفسها وتضخيم هويتها الخاصة. وكلما كثرت عناصر التمييز لديها صغرت دائرة الإصطفاء وشعر "الرَبع" بالإنسجام والشعور بالإستعلاء وحينها فقط يستطيعون التنكيت على "الآخرين" ورميهم بالصفات القبيحة!

الخطير فعلًا هو أن التمادي في تمييز الذات قد ينقلب من مجرد "نظرة عنصرية" إلى عقيدة وإيديولوجية تصدقها الجماعات المقتدرة.. فالحزب النازي مثلا غرس في عقول الألمان تفوق الآريين البيض على بقية الأعراق، واليهود بالغوا في تمييز أنفسهم لدرجة تشكلت لديهم قناعة تاريخية بأنهم (شعب الله المختار).

أما البراهمة فيعتقدون أنهم خلقوا من رأس الآلهة ويضعون أنفسهم على قمة الطبقات الخمس للمجتمع الهندوسي.. وفي أمريكا يرى الإنجيليون الجدد أنهم تلاميذ عيسى المسيح يهيئون الأرض لنزوله في آخر الزمان..!

ومجرد التفكير بهذه الطريقة يجعل من عقيدة "التفوق المقدس" سلاحًا يفوق في خطورته أي نظرة عنصرية دارجة بين الناس، فهي عقيدة مبنية على الإصطفاء والإستعلاء تجيز لمعتنقيها استباحة حرمات المخالفين لها، فالعقيدة النازية مثلًا أباحت الإستيلاء على خيرات الشعوب السلوفانية والشرقية لصالح العرق الآري الأبيض.. واليهود يرون أنهم شعب الله المختار وقالوا ليس علينا في الأميين من حرج.. والبراهمة لايعترفون بأي حرمة أو حقوق لطبقة "المنبوذين" ويرونهم أقل مرتبة من الكلاب والخنازير.. أما الانجيليون الجدد فينتظرون مشاركتهم في معركة هيرمجدون حيث ينتصر المسيح على "الشعوب الكافرة" ويبيدها عن بكرة أبيها!!

ومقابل كل هذه الحماقات توجد آية واحدة فقط كفيلة بتعديل الأفكار العنصرية وإعادة طبائع الإستعلاء البشرية إلى حلبة التنافس الشريف.

(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

أم علي
14 مايو 2014

No comments:

Post a Comment