Saturday, May 24, 2014

ما بين التراحم والتصارع؛ واقع الإنسان

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ ) ١
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ . )٢
قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أحبّ أن يرحمني ربّي فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "ارحم  نفسك وارحم خلق الله يرحمك الله"٣
لستُ بصددِ تفسيرِ الآياتِ الكريمةِ أو الحديثِ الشريف، ولا حتى الدعوةِ للإلتزامِ بها، إنما اخترتها لمحاولةِ مناقشتها معكم، لعلنا نُوفقُ لقراءةِ خارطةِ الانسانِ الصحيحةِ، ولا أفضلَ لتلكَ القراءةِ من الاستعانةِ بمَن رَسَمَها ( الله ).

حينَ يُشيد الله برسولهِ ومن مع رسوله من زاويةِ ( التراحم بينهم )، ، حينَ يَتَحدث الله عن قومٍ (يُحبهم ويُحبونه) من زاويةِ التذلُّلِ لبعضهم ( التَذلل مِن اللّين لا مِن الذِلة كما وجدتُ في التفسيراتِ التي اطلعتُ عليها سريعا) ٫حينَ يُوجه رسولُ الله صلى الله عليه وآله أبناءَ الاسلامِ  ليَرحموا فيُرحمو، فجميعنا سنفهمُها كتوجيهات أو سجايا أرادَ الاسلامُ أن تكونَ من سجايا مُنتسبيه، وأن علينا الالتزام بها طمعاََ في الثوابِ ونجاةََ من العقابِ، لكني أريد أن اقرأها معكم من زاوية مُختلفةٍ قليلا؛ تُرى لمَ وجَّه الله الناسَ للتراحُمِ بالذات ولمَ أصّرَ رسولُ الله عليها؟!  أترى التراحم -الذي يُقابله التصارع- طبيعةٌ بشريةٌ فُطرَ الانسانُ عليها؟ وان كانَت كذلك فهل هي قابلةٌ للتلوثِ - كما أن الانسان يُولدُ بالفطرةِ وابواهُ يُهودانَهُ أو يُمجسانَهُ أو يُنصرانَهُ - فربما خُلِق الانسان بفطرةِ أن يكونَ رحيماََ فقسّتِ الدُنيا قلبهُ؟!
 لا أُريدُ الوقوفَ كثيراََ عندَ هذهِ الجدلية، فإن وُلدَ الانسان بفطرةِ الرحمةِ فتلوثت، أو بِفطرةِ التصارعِ فإحتاجَ أن يُهذبها الاسلام، فإنَ النتيجةَ واحدةََ كما يراها الكثيرُ من علماءِ الاجتماع؛ (أن التصارعَ طبيعةََ بشريةََ واجتماعيةََ )  بل يَجِدها البعض كالدكتور علي الوردي، بأنها طبيعةٌ تَدفعُ نحوَ التقدمِ والتطور! وما أفهمه شخصياََ من توجيهاتِ الله ورسولهِ، أن الانسانَ بحاجةٍ ماسةٍ للتراحمِ واللينِ داخلَ مُجتمعهِ - أكان التصارع فطرته او مما طرأ عليه - ليس لينالَ الجنةَ ورضا الله فقط، بل ليتمكنَ من بناءِ مُجتمعٍ سليمٍ قادرٍ على المضي للامام.

في الأشهرِ القليلةِ الماضية، كنتُ ممن يَرى أن حالةَ التصارعِ داخِل مُجتمعنا قد بلغت حداََ أصفهُ أحياناََ بأنهُ ( لا يُطاق ) وقد أنزوي عن بعضِ النقاشاتِ والتعليقاتِ، بل وبعضِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي لأُبعِدَ نفسي عن مظاهرِ ذلكَ التصارع ومنها:
- التسقيط
- سوءُ الظن
- التنابزِ بالألقاب
- تبادلِ الإتهامات
- التراشق
- التهجم على الشخوص
والكثيرُ الكثير من تلكَ المظاهرِ التي كانت مقتصرةََ على مواقع التواصل الاجتماعي، ثمَ زَحَفَت لتَدخلَ قُرانا، وأحيائنا بل وبيوتنا وربما بعضَ غُرف نومنا!

التصارع الذي نعيشهُ اليوم، قد يكون تصارع أفكار ورؤى سياسية من الدرجةِ الأولى، لكنهُ ألقى بظلالهِ على كلِ جوانب حياتنا سيما الاجتماعيةِ منها، وقد تَرتفعُ أحياناََ الأصواتُ للدعوةِ للتوحدِ ونبذِ التنازعِ نتيجةَ التوجعِ الحقيقيِ لما آلت اليه أحوالنا، أو ربما نتيجةَ اعتقادِ البعض أن المصلحةَ العامة تُوجبُ ذلكَ، وأجدُ بشكلٍ قاطعٍ أن حالةَ التنازعِ تُضعفنا كمجتمعٍ واحد، لكني لستُ مع الدعوةِ للتوحدِ كما يَفهمُها البعض بشكلها التقليدي، ألا وهي؛ أن يتنازلَ الفردُ للجمعِ على مستوى مادي أو فكري أو معنوي، وهي ما قد يَتَضاربُ مَعَ ما أسلفنا ذِكرهُ مِن طبيعةٍ بشريةٍ أثبت التاريخ انها تحصلُ وتتكررُ في كل المجتمعات، لذلكَ فإننالا بُدَ ومن أجلِ أن نصلَ لصيغةِ توافقٍ في تصارعناالفكري أو السياسي أو أياََ كان اسمه، لا بدَ أن نقبلَ مُنطلقاته، أن اختلافنا وان كنا ضمنَ مجتمعٍ واحد، هي طبيعةٌ علينا القُبولُ بها وأن التوحدَ لا يعني بالضرورةِ أن يُلغي أحدنا نفسهُ، ليذوبَ ضمنَ الآخرَ، وأن التصارع لا بُد أن يتحولَ لتنافسٍ لبُلوغ الهدفِ العامِ الذي يجمعنا داخلَ منظومتنا الاجتماعيةِ، دونَ أن يضعَ أحدنا رِجلهُ في مسيرةِ الآخرَ ليتسببَ بعرقلةِ مسيرتهِ وربما تكسيرِ رجليه ! 

إن كانَ التصارع محطةََ لا بُد أن نَمُر بها، فإني أُصر بأنها محطةٌ حتميةُ المرورِ لا المكوث، محطةٌ لا بُد أن نعرفَ كيفَ نُغادرها سريعاََ متخلصينَ من كلِ عوالقها النفسيةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ، متسلحينَ بما اكتسبناهُ من خبرةِ المرور بها، حتى نتمكنَ حقاََ من مُواصلةِ السيرِ نحوَ الأمام كما تمكنت من ذلك مجتمعات سبقتنا ( راجع تاريخ العلاقة بين حزب الله وحركة أمل في لبنان).
أتفهمُ أننا أبناءُ مجتمعٍ بسيطٍ يعيشُ مُتغيراتٍ وضغوطٍ كبرى، وقد يُؤدي بنا ذلكَ لأن نفقدَ توازننا قليلاََ، وأن ننشغل بخلافاتنا مدةََ، لكن هل يُعقل أن نبقى عالقينَ حيثُ التراشقُ والتنابزُ والتصارع الذي ان لم نُحولهُ لفكرةِ اختلافٍ راقيةٍ تدفعُ بنا نحو التطورِ، فقد يكونُ هو السببُ الرئيس في القضاءِ علينا!

يقول الدكتور علي الوردي أن ( الديمقراطية الغربية )، هي إختراعٌ إنسانيٌ راقٍ حوّلَ حالةَ التصارعِ البشريِ، الدمويِ، الوحشيِ على السلطةِ هناك، إلى حالةِ تصارعٍ ورقيٍ حقنتِ الدماء، واحترمت طبيعةَ الانسان ( التصارع ) فتحولت لمجتمعاتٍ مُبدعةٍ، منتجةٍ تحترم حقوق الانسان، وتختزل صراعها داخلَ صناديقِ الاقتراعِ وفي مقارِ المرشحينَ للانتخابات وضمنَ حملاتهمُ الانتخابيةِ ٤، وأقول ان كانت الديمقراطيةُ الغربية اختراعٌ بشري اخترعه الانسان، فإن الآياتَ بالأعلى وكثيرٌ مثلها داخل دفتي كتاب الله - يعرفها المختصون وقد أتوهُ عنها - قانونٌ إلهيٌ أثقُ أن بإمكاننا أن نستنبطَ منهُ قانونَ حياةٍ يحفظُ طبيعةَ الانسان، ويُهذبها دافعاََ المجتمعاتَ الإسلامية لتكونَ جديرةََ بإحترامِ حقوق الانسانِ التي أسس لها الله، ودعا لها رسوله وأهلُ بيته ،، فقط لنُدرِكَ حقاََ ان اختلافنا طبيعة وحق لابد ان نحترمه ونقدره ونُصيغهُ بطرق منتجة.




-----------------------
١/سورة الفتح الآية ٢٩
٢/سورة المائدة الآية ١٥
٣/كنز العمال،المتقي الهندي،ج ١٦ ص ١٢٩
٤/ لشرح اكثر اسهابا راجع كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي 




ايمان الحبيشي
٢٤/٥/٢٠١٤

No comments:

Post a Comment