Friday, May 16, 2014

تزييف الوعي

رسالة وصلتني عبر مجموعةٍ من المجموعاتِ على برامجِ التواصل (whatsapp)، عُنوِنت بكلمةِ "حقيقة"، وساقت مجموعةٍ من المعلوماتِ التي أعرفُ جزماََ أنها لا تمتُ للحقيقةِ بِصِلة!

وعبرَ ندوةٍ رسميةٍ بإحدى الجمعياتِ السياسيةِ كذلك، سيقَت مجموعة من الإدعاءات وكأنها حقائقَ لا مجالَ للشكِ بها!

وما بين الأمرين (الرسالةُ والندوة) وجدتُني أقفُ على دائرةِ تقاطعٍ فيما بينهما، فأصلِ الموضوع واحد، وبالرغمِ مِن ذلكَ فقد سيقَ في المرتينِ بطريقةٍ مختلفةٍ ومتعاكسةٍ بشكلٍ كامل، إلا أنَّ صاحبيَّ الرسالةِ والخطابِ استعملا ذاتِ السلاح لطرحِ (قراءتهما أو رأيهما القابلان للصحةِ والخطأ) ك .. (حقائقَ نتفضلُ بها عليكُم لنُنمي وعيكُم ونمنعَ خِداعكم!!)

لا يُمكنني أن أدعي أن استخدام هذا الأسلوب يَتم دائماً عن سبقِ إصرارٍ وترصد، قد يكونُ تِكرارهُ ناتجٌ عن تَعوُد، وحتى عن جهل إلا أن نتيجة استخدامه عمداً أو سهواً واحدة وهي أن (سوقنا لحقائقَ باطلِةٍ، تَخلقُ وعياً زائفاً).

الكثيرُ من المواقفِ التي نتخِذها من شخوصٍ موجودةٍ على أرضِ الواقع إنما عن اعتمادنا على (حقائق) ساقها آخرون، دون أن نُعطي لِعقلنا حقهُ ووقتهُ في التفكيرِ والتريثِ والتصديقِ والشكِ، الكثيرُ من الرؤى نَرفُضها لأنها جاءت مغايرةً لما اعتدناه من اعتقادات صارت ثابتةً لا تقبلُ النقدَ والتقييم، وهي اعتقاداتٌ في أصلِها قد تتغيرُ، بل من الضروري أحيانا أن تتغيرَ بتغيرِ بعضِ الظروفِ وبتقدمِ الأُمم.

عاداتٌ اجتماعيةٌ، قيمٌ تَربويةٌ، رؤى سياسيةٌ، والكثيرَ الكثيرَ مما آمنا بهِ حتى صارَ ثابتاً وربما يحملُ منَ الرمزيةِ الشئَ الكثير إنما بُنيَ على اعتقاداتِ آخرين وحقائقَ لم تكُن من صنفِ الحقائق.

اليوم ونحنُ في عصرِ الكتابِ والإنترنت، وسهولةِ تناقلِ المعلومات، لازلنا نتَّبعُ ذاتَ الطريقةِ في تَبني الآراء، ولازلنا نَسمحُ للآخرينَ بإدارةِ شخصياتِنا وعقولِنا ورُبما معتقداتنا وبالتالي نِضالِنا كيفما شاء، بحسب قناعتهُ هوَ ومبتنياتهُ هوَ، ثُم نُلقي بعدَ ذلكَ باللومِ في فشلنا وامتناع تحقيقِ الأهدافِ عنا لأصحاب تلك الرؤى، والحقُ كُل الحق أننا المُلامون من الدرجةِ الأولى، فإن لم يَحترِم الفرد عقلهُ وقُدرته على تقييمِ رؤى الآخرين قبل تبنيها، ثُم مَنَعَ عَن نَفسهِ حَقَّ القُبولِ والتساؤُلِ والرفضِ لها، فلا يكونُ مِن حق أحدٍ أن يَلومَ قُدرةَ الآخرينَ على تسويقِ رُؤاهم على جمعٍ يمتنِعُ عن التفكير، ويستقبِلُ كلَ ما يتلقاهُ كحقيقةٍ دونَ أن يُكلِفَ نفسهُ عناءَ البحثِ والتيقنِ، وإن على مستوى الدلائلّ التي على أساسها بُنيت تلك الرؤى، مثلا؛ً كم من رؤيةٍ أو رأيٍ كان أساسهُ حديثاً نُسبَ لمعصوم، لتُفاجأَ بعد حين بأن لا صِحةَ لنَسبِ ذلكَ الحديثِ لمعصوم!
كم من آية فُسرت كما شاءَ من ساقها مُضمناً إياها بيانهُ، أو شرحهُ أو توصيفهُ، ليتضحَ بعد حين أن تفسيرَ تِلك الآيةِ مُقيدٌ لا يُمكنُ إطلاقهُ!

في الواقعِ، أن مسؤوليةَ صناعةِ الوعي إنما تقع على عاتق طرفين رئيسيين:

(صاحب الرؤية المطروحة) الذي يتحمل مسؤولية رؤيته حين ينسُجُها بحروفِ الزيفِ والخديعةِ وإن أرادَ بِها حقاً وإن كان عن جهل!

حَريٌ بكلِ من يتبنى رؤيةً ما، أن يسوقَ مُبتنيات علمية حقيقية تُساهم في الدفع نحو حالةٍ من التغيير المجتمعي، وربما الثقافي القادرِ على المساهمةِ بتقدمِهِ وتَطورهِ وحلِ مُشكلاته بشتى المجالات وِفق قيمه العليا، فإن قَصَدَ صاحب تلك الرؤية مصلحةٍ شخصيةٍ غير مكترثٍ بمصلحةٍ عامة، صارت المسؤوليةُ في مرمى المتلقي، ليقف بالمرصاد وذلك حين يكُون فطناً، يقظاً لما يُساق لهُ من معلومات، قادرٌ على التحررِ من سطوةِ (كاريزما) القائل، قافزا نحو الفكرةِ والطرحِ وجدواهُ ومدى صحتهِ واحترامهِ للحقوق والواجبات، ممتنعاً عن نشر وتسويق تلك الرؤية -بل كل ما يتلقاه- إلا بعد معرفتها معرفةً حقيقية والتأكد من تحقيقها -ولو نظرياً- للأهدافِ التي تُعلنُ أنها تُريدها وتسعى لها، مُعطياً الآخرين حق انتقادها، وتوضيح أسباب رفضهم لها، لعل ذلك يفتحُ آفاقاً، ويُسلط الضوءَ على مناطقَ مُعتِمةٍ لا بُدَ من كشفِها، وربما إجراءَ التعديلِ عليها لتكونَ أكثرَ موائمةً لمصالح الجميع، مُتفقة مع إمكانات المجتمع آخذةً في الإعتبار هويته وقيمه وثوابته الحقة.

إيمان الحبيشي
16 مايو 2014

No comments:

Post a Comment