تحدثتُ في مقالات سابقة عن أهمية الكلمة، والمسؤولية الملقاة على عاتق كاتبها أو ناطقها[١] وكيف أن الكثيرين يمارسون بقصدٍ أو بغير قصد، عملية تزييف للوعي[٢] عبر كلماتٍ أو تحليلاتٍ بُنيت على أسسٍ خياليةٍ أو مكذوبة.
إن ما يدعوني للفت النظر مُجدداً لأهمية الكلمة، كونها تُعد السلاح الذي بواسطته هُدمت ثقافات حقة أو باطلة، وبواسطته كذلك بُنيت حضارات حقة أو باطلة، وأجد أنا مجتمع صار يهتم بالكلمات، ينتخِب بعضها ويتلقى البعض الآخر مُسلّماً، رافعاً أمامها رايته البيضاء.. قد يكون ذلك أمراً إعتيادياً، فقد نقرأ ما يُلامس روحنا وعقلنا وواقعنا فنقبله سريعاً، وقد ننفر أحياناً من بعض التوصيفات والتحليلات وإن كانت حقاً، لكن المشكلة اليوم أننا (نتلقى - ننشر - نؤمن) بكل ما يصلنا بطريقةٍ آليةٍ أعتقد أنها ليست صحيحة، أو على أقل تقدير تحتاج منا لوقفة مُراجعةٍ لتقييمها وتصحيحها إن كانت تحتاج للتصحيح.
منذ أيام ونتيجة تكرار مجموعةٍ من الحوادث والحرائق التي راح ضحية أحدها زهرتان عزيزتان من زهرات جزيرة سترة (زهراء وغدير)[٣]، انتشرت بشكلٍ كبير جداً تحليلات عن سبب اندلاع الحرائق، عزاهُ الأعم الأغلب لتعطل جثة الشهيد عبد العزيز العبار رحمه الله، كما وصفه آخرون بأنه من صُنع السلطة. أما السبب الأول فقد دخلتُ في نقاشات عدة مع من نقل هذا الرأي عن الأساس الذي بُني عليه رأيهم فكانت الإجابة (كما وصلني)![٤]
كمٌ هائل من المعلومات والأخبار يُتداول بسرعة كبيرة، دون التحقق من صحته بشماعة (كما وصلني) -كإشاعات الحرائق التي انتشرت بالتزامن مع حوادث الحرائق المؤسفة التي أشرت لها منذ قليل- وهي مساهمةً تُقدم مجاناً لمن أراد أن ينشر كذبةً أو يُوقع فتنةً، أو يُزيف وعياً، ونحنُ قطعاً بممارسة عملية النشر بتلك الآلية نكون مسؤولين أيضاً، مسؤولين عن نشر إشاعة تمس عرض إنسان ما، أو تُهوّل أمراً ما مُربكة المجتمع، عبر قذف نوعٍ من أنواع القلق أو الخوف في نفوس الناس، مسؤولين عن نشر حادثة ( لا نعلم صحتها ) تُسئ لإنسان ما، مسؤولين عن نشر ثقافة ما أنزل الله بها من سلطان، تُشوّه العقول والنفوس والنوايا، فضلاً عن نشر أحاديث تُنسب لأهل البيت (ع) لم تصدر عن أحدهم، وإن توافقت مع مبدأ دعوا إليه، إلا أن مسؤولية الكذب عليهم لن تسقط عنا إن كان القول حسناً.
أما الرأي الآخر والذي يتبنى أن أسباب الحرائق هو أيد خفية تتبع السلطة، فلا أستسخفه ونحن نعيش هذا الوضع الأمني المقلق، إلا أني أيضاً لم أجد ما يدعمه على الأقل حتى الآن.. لا أرفض مبدأ الشك في كل حادثة أو واقعة نعيشها ذلك أن الحال يفرض علينا الشك، إذ نعيش إستهدافاً على كافة الأصعده، إلا أني أجد أننا نحتاج لدلائل حقيقية تُثبت تورط تلك الأيدي خلفها، لا لتبرئة السلطة لكن لأننا بحاجة لبحث جاد عن أسباب الحوادث التي تقع، كأن نُعالج الإهمال إن كان موجوداً، كأن نُوفر أدوات السلامة إن لم نكن نعتني بتوفيرها، كأن نتعلم أساليب التصرف الصحيح في حال حدوثها، كأن نتخذ تدابير وقائية تحمي منازلنا وأرواحنا شرها. أما تبني أسلوب أن كل ما يحصل على هذه الارض سببه السلطة فحسب، فذلك مدعاة لجمودنا وربما لاستمرار وقوع البلاء علينا، وليست الحرائق هنا سوى مثلاً نستطيع أن نُطبقه على الكثير من الحوادث التي تحتاج منا للوقوف على الأسباب الحقيقية لحصولها وبالتالي تصحيح مسار الأمور وإيجاد سبل الوقاية.
لكُل منا دوره الدقيق في هذا المجتمع، قد لا يُدركه الفرد إلا أن آثاره ستكون موجودة حتماً على الجميع.. إياك أن تقول (مجرد رسالة سأمررها) ليكن شعارنا (تلقى/ دقق / قيم / إنشر) لتكُن وسائل تواصلنا وسائل رحمة لا وبال علينا.
31 مايو 2014
[١]http://ertiqabh.blogspot.com/2014/04/blog-post_19.html?m=1
[٢]http://ertiqabh.blogspot.com/2014/05/blog-post_8398.html?m
[٣] http://www.alwasatnews.com/ipad/news-888758.html
[٤] رأي سماحة السيد محمد العلوي حول الربط بين الحوادث المؤسفة وعدم دفن جسد الشهيد العبار ::
( لا شَكَّ ولا شبهة في أن للأعمال أثر في البلاء، وهذا هو القرآن الكريم والروايات المعصومة عن العترة الطاهرة تصرح عن علاقة تكوينية بين العمل وبين تقديرات الله تعالى وقضائه..
قال تعالى:
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
وقال عز وجل:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)
وهذا قليل جدًا من كثير قد ورد في خصوص الابتلاء بسبب الأعمال..
أما أن نحصر حدثًا أو أكثر في سبب أو أسباب فهذا يحتاج إلى دليل صريح..
لماذا لا نقول بأن هذه الحرائق -مثلًا- بسبب انتشار السفور والمغازلات بل والسفالات في مواكب العزاء من المتفرجين والمتفرجات؟
لماذا لا نقول بأن السبب هو تحول العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء كبارًا وصغارًا إلى حالة طبيعية؟
لماذا لا نقول بأن السبب هو عبادة الناس للأفلام والمسلسلات التي تضج بالمشاهد المحرمة صريحًا؟
هذا مع تجاوز أن الحرائق تتكرر كل سنة في موسم الحر، وكل ما في الأمر أن الأضواء قد سُلِّطت عليها هذه المرة!!
أما بالنسبة للشهيد العبار (رحمه الله تعالى) فأمره موكل لوليه ولي الدم، وليس من العدل محاكمته وتحميله مسؤولية ما يجري دون وجه علمي صحيح، وهذا مع علمنا بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فيما لو قلنا تنزلًا بأنه وزر!!)
No comments:
Post a Comment