لا يحتاج أن يتكلم أو يفعل شيئا.. بل يكفي أن يمر من أمامي ليغلي الدم في عروقي..
تلك كلمات قالتها سيدة "فورمان" إلي عند مر أحد المهندسين أمامنا..
لم يكن عصبيا، بل كان هادئ الطباع.. لم أسمعه مرة واحدة -لأكثر من أربع سنوات- رافعا صوته.. لكن كلماته الهادئة مع ابتسامته الصفراء تشعر الآخر في أغلب الأحيان بالتحقير.. كلماته تنهال على الآخر كالسهام الحادة المسمومة.. كان معتدا بنفسه إلى حد الخيلاء.. وبكل هدوء ورزانة.. مع تصغير وتحقير للآخر إلى حد القرف.. لم أجده يوما يمدح أحدا على فعل، بل كان بارعا في إيجاد الثغرات والسلبيات في أعمال الآخرين.. حتى كلمة شكرا إذا ما صدرت منه تتيقن أنها وجدت صعوبة بالغة في الخروج من بين شفتيه، بل ربما قصد منها الإهانة لا الشكر..
من إحدى مزاياه أن لديه قدرة عجيبة على تحميل الآخرين رزايا أخطائه.. وفي المقابل كان ينسب أفكار وأعمال الآخرين إلى نفسه ويعدها من إنجازاته..
كنت أستغرب كثيرا من سلوكياته ونظرته للآخرين.. وحاولت كثيرا أن أتكلم معه حول ذلك أملا في إصلاحه.. واتخذت أساليبا مختلفة لإيصال الأثر السلبي لسلوكياته على الآخرين وكذلك في خلق بيئة ضاغطة متشجنة من حواليه.. ولا أستطيع أن أقول أنني وفقت في ذلك.. إذ كان يستلذ بما يفعله خصوصا عندما يرى تأثير أسلوبه على الآخرين.. بل وجدته تلك الشخصية التي لا يمكن لها أن تتقدم إلا بتخلف الآخرين أو إظهارهم في موقع التخلف عنه..
من المفارقات أن ضعاف الشخصية أمامه على قسمين؛ البعض يخضع له ويستسلم ويجد نفسه صغيرا أمامه مع إقرارهم بسوء أسلوبه.. بل أن هذا البعض يراه متميزا وناجحا، والبعض الآخر يفقد أعصابه ويتكلم عليه لكن ليس أمامه بل من وراء ظهره..
كذلك سجلت ملاحظة أن هذه الشخصية لا تتمكن من استخدام هذا الأسلوب إزاء الشخصية القوية.. بل أن الشخصية القوية -تلك الشخصية الواثقة من علمها وقدراتها وإمكانياتها- قادرة على نزع الإحترام منه أو على الأقل صده عن استخدام أسلوبه المحقر معها..
ختاما، من المهم جدا أن يتقن الفرد فن التعامل مع هذا النوع من الشخصيات وإلا سيكون لقمة سائغة لهم.. فهم قادرون وبكل مهارة على تحويل حياة الآخرين جحيما خصوصا إذا كان ولا بد من التعامل معهم. ولا سند للفرد منهم إلا عن طريق الثقة بالنفس وتطوير القدرات الذاتية والمهنية والاستقلال قدر الإستطاعة عنهم.
ز.كاظم
2 مايو 2014
No comments:
Post a Comment