Friday, May 2, 2014

من مفاصل الحدث: إدراك اللا إدراك

يحكى عن ظبي أنه كان غاية في الذكاء والرشاقة ويمتلك روحًا عالية تعشق التحدي، وقد اعتاد المرور بين يوم وآخر أمام مجموعة من الضباع يتبختر أمام نواظرها ويقفز يمينًا وشمالًا، وكلما هجمت عليه (حيرها) برشاقته وقوة ثقته بنفسه.

الحال لم يعجب الضباع أبدًا، فاتفقت في ما بينها على أن تحول الظبي إلى (خبر في الماضي)، وبالفعل.. رتبت صفوفها ورصت بنيانها وتوزعت على أكثر من جبهة، وما إن أقبل الظبي يتمايل بجسمه الرشيق المرن حتى تحاوطته من مختلف الجهات، ولم تمنعها رشاقته عن تمزيقه شر ممزق، فكان (خبرًا في الماضي)!!

أدرك الظبي كل شيء..

أدرك رشاقة جسمه.. أدرك رجحان عقله.. أدرك ضعف الضباع أمام سرعته..

نعم، هو أدرك كل هذا، ولكنه (لم يدرك) ما قد يحل به لو أن الضباع فكرت ساعة!!

ولم يدرك ما قد تكون عواقب (إغضابه) لها!!

وفي لحظة (اللا إدراك) تحول الظبي المسكين إلى خبر كان، ولو أنه أدرك (لا إدراكه) في الوقت المناسب لما آل أمره إلى التمزق..

هكذا هو الإنسان عندما يدفع سنين من عمره فاتورة للحظة غاب فيها عن الإدراك ولم يحسبها بالشكل الصحيح، وفي الغالب أن هذا الغياب عن إدراك الواقع يرجع إلى أحد الأسباب التالية:

الأول: العصبية أو التعصب والغضب.

الثاني: الغرور والاعتداد بالنفس.

الثالث: الجهل.

أما الغضب فهو حقيقة العمى بلا منازع؛ إذ أن القلب هو الذي يرى عن طريق العين، وإذا ختم عليه فإن ما تلتقطه الباصرة لا يعني شيئًا، ولذلك فإن الغاضب المتعصب العصبي من الصعب جدًا أن يتمكن من إدارك الواقع، فهو يعيش زاوية واحدة مع العمى التام عن باقي الزوايا.. فتبدأ المشاكل، وربما المصائب والكوارث.

وأما الغرور والاعتداد بالنفس فهو أيضًا من أنواع ودرجات العمى الحقيقي لما يسببه من إغراق للقلب في بحور من الأوهام والتخيلات المُبعِدة له عن الواقع، وغالبًا ما يكون المغرور تحت سطوة العزة التي تأخذه بالإثم، لا يقبل التنازل بل ولا يتصور نفسه في غير موقف التعالي والفوقية.

وأما الجهل فهو أبو الثلاثة مطلقًا؛ إذ أن الجاهل جاهل على طول الخط، والجهل لا يُغَيِّب العقل؛ فالعقل مع وجوده لا موضوعية له، ولذلك فإن الجاهل عاجز عن إدراك ما ينبغي إدراكه لاتخاذ المواقف المناسبة، ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "لو سكت الجاهل لما اختلف الناس".

اتضح للقارئ الكريم أن لحظة واحدة يغيب فيها الإدارك فإنها كفيلة بإحداث دمار قد يتعدى الفرد إلى الأسرة، وقد يواصل طريقه إلى المجتمع وربما الأمة، فما نحتاجه دائمًا هو الإصرار ضد النَفْسِ على ممارسة الإدراك دون توقف على الإطلاق.

محمد علي العلوي
27 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment