Friday, May 16, 2014

تدين (فَرِّقْ تَسُدْ)!!

كان مفعمًا بالحيوية..

يعمل بنفس مطمئنة وروح وثابة محبة للخير، ومما اعتَقَدَهُ أن عمله تحت مظلة مرجعية دينية معينة أمرٌ عاديٌ طبيعيٌ، فمسألة الإنتماء مسألة أكثر من عادية ليس للمرجعيات الدينية وحسب، بل ولكل توجه فكري شديدٌ في ظهوره أم خفي، وحتى من ينكر الإنتماء فهو في الواقع ينتمي إلى هذا التوجه الذي يدعو إليه..

بعد فترة من الزمن، تهادت نحو ذهنه الشاب ظواهر ما كان ليفهمها، وفي بداية الأمر لم يكن ليصدقها؛ إذ أنه مؤمن جدًا بأن انتماءه لمرجعية (زيد) من المفترض أن تشكل حالة تكامل مع انتماء صديقه لمرجعية (عمرو)، وكذلك مع انتماء صديقهما لمرجعية (بكر)، كيف لا وقد تَعَلَّمَ منذ نعومة أظفاره أن المراجع متشرفون بتقلد منصب النيابة العامة للإمام الحجة (أرواحنا فداه)، فضلًا عن كونهم يرجعون جميعًا إلى الثقلين، كتاب الله تعالى وعترة نبيه (صلى الله عليه وآله)، كما وقد نشأ بقوة على أن من مفاخر المذهب الشيعي محافظته على باب الإجتهاد مفتوحًا لا يُغلق، وأن الشيعة أصحاب الدليل أينما مال يميلون، وعليه فإن هذا المذهب من المفترض أن يكون أكثر المذاهب استيعابًا للتعددية الفكرية، واحترامًا للرأي الآخر..

غير أن الذي بدأ له بالظهور أن ثمة صراعات غريبة وتنازعات عجيبة تعتاش عليها وجودات بعض التيارات المرجعية في البلد.. وربما في غيره أيضًا..!!

قالوا أمامه: احذر (فلانًا) فإنه يقلد (عمرو)!

وقالوا لصديقه: احذر صديقك فهو محسوب على مرجعية (زيد)!

ولثالث الثلاثة قالوا: إياك إياك ومجالستهما، فـ(عمرو) ضال، و(زيد) فاسق!

هذا ليس بمجتهد، وذاك عدالته ساقطة، وفلان منحرف عقائديًا..!!

والغريب أن كل طرف من هذه الأطراف يدعو للتقارب والمحبة والسلم وعدم التسقيط..

من حقه لو عجز عن استيعاب هذه الحالة المشوهة القبيحة النتنة السخيفة، ولو لا أنه مؤمن متدين لكره الدين والتدين بعد أن رأى بعينيه وسمع بأذنيه وشهد بعقله وجوارحه، كيف أن كل صاحب دعوى (يجرجر) القرآن العظيم والحديث الشريف لخدمة توجهاته، وبها يثبت نفسه وبها يضرب الآخر، وكأن الدين كومة من المتناقضات..

قال في قرارة نفسه: إنه الشيطان يمزقنا ويريد ذبحنا، وعلي مقاومته..

سوف أتواصل مع الجميع، وأذهب للصلاة خلف كل واحد من رموز التيارات المرجعية..

سوف أعمل على إشاعة الحب بين الموالين، ولن أسمح لزوبعات الشيطان أن تسحبني هنا وهناك..

بدأ العمل.. تواصل.. ابتسم..

ما الذي جناه يا ترى؟

أما الجماعة التي ينتمي إليها فقد اتهموه بالمياعة وضعف الولاء للمرجعية!

وأما الآخرون فقد رموه بالتملق واللعب على الحبلين!

والمضحك في الأمر أن نية التقريب وإشاعة الحب قد عادت عليه وبالًا؛ فبمجرد أن يوجه نقدًا لجماعته أو جماعة غيره، تعالت الأصوات من هنا وهناك قائلة: أهاااا ألم نحذركم منه؟ ها هي الحقائق تتكشف شيئًا فشيئًا، وها هو (خبثه) قد بان!!

في لحظة بالنسبة إليه كانت حاسمة.. صرخ:

توقفوااا لا بارك الله فيكم.. توقفوا لعنات الله عليكم.. توقفوا فأنا لا أنتمي إلى جهة ولا أريد أن أنتمي وعليَّ من الله لعنة إن انتميت!!

هل كان في حسمه على صواب؟

جوابي: لا، فما فعله أنه قد تابع الأخطاء بخطأ، وما أعتقده أن كل واحد منَّا ينبغي أن يفهم جيدًا بأن هناك من يقتات على (تدين فرق تسد)، فهو لا يملك قوة البقاء إلا من خلال ضرب الآخر، وهذا في بعض جوانبه جزء من معادلة الحياة، ومفتاح حلها هو الحكمة.. وليس سوى الحكمة.

كن معتدلًا في انتمائك، ثم حرك القافلة وسر.. وادعو للجميع بالخير والهداية والرشد..

محمد علي العلوي
11 مايو 2014

No comments:

Post a Comment